هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تفرض الإدارة الأمريكية شروطا عديدة لدعم تنفيذ حكومة التناوب الإسرائيلية لخطة ترامب المتعلقة بإعلان ضم حوالي ثلث أراضي الضفة الغربية المحتلة، خاصة في منطقتي البحر الميت والأغوار وإعلان السيادة عليها، وذلك من خلال اشتراطها توافقا إسرائيليا على عملية الضم من الأطراف كافة، وكذلك شرط تنفيذ الخطة كاملة دون انتقاء أو تجزئة، هذه الاشتراطات باتت إحدى العقبات الرئيسية التي تواجه إمكانية تنفيذ الخطة في الأول من تموز القادم، وفقا للاتفاق الائتلافي الذي بدوره أشار إلى حق حزب «أزرق - أبيض» بحرية التصويت على الخطة الأمريكية رفضا أو قبولا، مع أنّ بإمكان نتنياهو الحصول على أغلبية كافية في الكنيست لتمرير خطة الضم إذا أراد، بالنظر إلى موافقة كل من حزبي «إسرائيل بيتنا» و«يمينا» على هذه الخطة، مع أنهما خارج إطار الائتلاف الحكومي الراهن، إلا أنّ الشرط الأمريكي بتوافق الأطراف كافة لدعم تنفيذ الخطة، القصد منه أساسا موافقة حكومية ما زال حزب «أزرق - أبيض» يتحفظ عليها لأسباب عديدة؛ من بينها أنّ ذلك وسيلة لابتزاز نتنياهو لتمرير صفقات حزبية وحكومية مقابل التخلي عن هذه التحفظات، وهذا ما عبّر عنه فعلا بوضوح لا يقبل التأويل عندما نقل رسالة لرئيس الحكومة، مفادها أنه سيدعم مخطط فرض السيادة والضم مقابل تمرير ميزانية الدولة لعام واحد بدلا من عامين كما يشترط نتنياهو، ذلك أنّ رئيس الحكومة يسعى لتمرير ميزانية الدولة بشكل جزئي للعام 2020، في وقت يطالب فيه غانتس بميزانية لعامين متتاليين كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، وذلك لضمان وجود ميزانية في أثناء توليه منصب رئاسة الحكومة بعد عام ونصف العام، وفقا لاتفاق التناوب.
كانت الميزانية العامة لدولة الاحتلال إحدى أهم الأزمات المتلاحقة لدى البنية السياسية والحزبية، وساهمت في كثير من الأحيان في عقد انتخابات مبكرة نتيجة للخلافات والمنازعات والاستقطابات حول إقرار الميزانية، إلا أن النقاش حول الميزانية العامة هذه المرة أكثر تعقيدا وتأزما، خاصة أنه لم يتبق سوى نحو شهرين لإقرارها في الموعد المحدد في اليوم الأخير من آب القادم، وهذا الوقت غير كاف بالنظر إلى احتمالات متزايدة لتعقيدات وتقاطعات لن تألفها النقاشات الحزبية والوزارية السابقة حول الميزانية، نظرا لتضخم الحكومة الإسرائيلية الراهنة بعدد كبير من الوزراء ونوابهم، وكذلك استحقاقات تداعيات وباء كورونا وتراجع الاقتصاد الإسرائيلي، والميل المتزايد لحصول المستويات الأمنية على ميزانيات إضافية بذرائع التهديدات والأمن، يضاف إلى ذلك وكالمعتاد حصة الأحزاب الدينية التي عادة ما تبتز المستوى الحكومي، بهدف الحصول على مزيد من التمويل والميزانيات، وهو الأمر الذي سيلقى معارضة شديدة من قبل أطراف عديدة داخل الحكومة والكنيست ترى أنّ هذه الأحزاب تأخذ دون أن تعطي من ضرائب واستحقاقات للدولة.
إصرار نتنياهو على تمرير ميزانية الدولة لعام واحد بدلا من عامين كما جرى الأمر في السنوات الأخيرة، يزيد من التشكك بنواياه واستهدافاته المتعلقة بمدى التزامه باتفاقية التناوب، خاصة أنه بات يهدد في الآونة الأخيرة بتفكيك الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة، تمكنه من تولي رئاسة الحكومة منفردا ودون الحاجة إلى أي ائتلاف خارج إطار التجمع اليميني الذي يقوده، مستثمرا بذلك نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة كافة، التي تمنح التكتل اليميني بزعامة «الليكود» أكثر من 65 مقعدا.
لذلك يمكن فهم توجه نتنياهو لإجراء تعديل على الاتفاق الائتلافي، بما يضمن له البقاء في سدة رئاسة الحكومة رغم أي قرارات قد تتخذها المحكمة العليا، التي من المتوقع أن تنظر في مدى دستورية اتفاق التناوب بعد ستة أشهر من حكومة الطوارئ الحالية، وهكذا أيضا يمكن فهم سعي نتنياهو لتمرير ميزانية الدولة لعام واحد، تأكيدا لنواياه بعدم تمكين غانتس من الوصول إلى رئاسة الحكومة بعد عام ونصف العام كاستحقاق للاتفاق الائتلافي.
(الأيام الفلسطينية)