ملفات وتقارير

"المجمع الانتخابي" و"الشيوخ".. ديمقراطية أمريكا "العنصرية"

توزيع مقاعد "الشيوخ" لا يعير اهتماما لتفاوت الولايات سكانيا، فيما يمنح المجمع الانتخابي الولايات الصغيرة تأثيرا كبيرا- موقع ترامب
توزيع مقاعد "الشيوخ" لا يعير اهتماما لتفاوت الولايات سكانيا، فيما يمنح المجمع الانتخابي الولايات الصغيرة تأثيرا كبيرا- موقع ترامب

أعاد مشهد الحراك الرافض للعنصرية في الولايات المتحدة فتح جميع الملفات المتعلقة بالتمييز الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد، فيما اختزل إسقاط تماثيل لرموز الاستعمار والاستعباد وصولا إلى الحرب الأهلية احتقانا لدى شرائح واسعة من مخلفات تلك الحقبة، وعكس توجها متزايدا لقطيعة كاملة معها.

وفي الواقع، فإن النظام الانتخابي الأمريكي، بما في ذلك "المجمع الانتخابي" والمحاصصة المناطقية في توزيع مقاعد مجلس الشيوخ، تعود جذوره إلى تلك الحقبة، ويعكس بشكل خاص التسوية مع الجنوب الذي أصر على الاستمرار بممارسة الاستعباد وتمتع الولايات باستقلالية أكبر، ما قاد إلى الحرب الأهلية (1861- 1865)، بحسب تقرير لموقع "ذا أتلانتيك"، ما يثير انتقادات ضده ومطالبات بتغييرات جذرية في أقدم ديمقراطية حديثة.

وبالفعل، أشارت عدة تقارير اطلعت عليها "عربي21" إلى ذلك الجانب المظلم من "الديمقراطية" الأمريكية خلال السنوات الماضية، ولا سيما مع ازدياد وقوف مجلس الشيوخ عائقا أمام مشاريع قوانين تحد من قدرة الأمريكيين على حمل السلاح أو تلك المتعلقة بالتأسيس لنظام رعاية صحية، التي يرفضها البيض بالدرجة الأولى، مرورا بفوز دونالد ترامب بالرئاسة عام 2016 بفضل أصوات البيض المحافظين وثغرات "المجمع الانتخابي"، وليس انتهاء بتزايد حوادث قتل ذوي الأصول الأفريقية جراء عنف الشرطة ضدهم، وخاصة "جورج فلويد" مؤخرا.

وإثر تظاهرات اجتاحت الولايات المتحدة على خلفية مقتل "فلويد" في 25 أيار/ مايو الماضي، وتهديد ترامب باللجوء إلى الجيش ضد المحتجين، متجاهلا الاحتقان العنصري، بل ومؤججا له باتهامه محتجين بأنهم "إرهابيون محليون"، أشار مقال للأستاذ بكلية الدراسات الدولية والشؤون العامة بجامعة "كولومبيا" الأمريكية، مارك روزينبيرغ، نشره موقع "فورين بوليسي"، وترجمته "عربي21"، إلى أن الرئيس والحزب الجمهوري يستندان في سياساتهما إلى الضمانات التي يقدمها لهما النظام الانتخابي في البلاد للبقاء في السلطة.

 

"لا مساواة" الشيوخ

وعلى عكس مجلس النواب، الذي يتم فيه توزيع مقاعده الـ435 على الولايات بحسب عدد سكانها، فإن مجلس الشيوخ يمنح مقعدين لكل ولاية بالتساوي، ما يعني أن "وايومنغ" التي بالكاد يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، جلهم من البيض المحافظين، يتمتعون بتمثيل يساوي ولاية كاليفورنيا ذات الـ39.5 مليون نسمة، مع طيف واسع من العرقيات المختلفة.

ويفسر ذلك مشهد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ (53 مقابل 45، ومقعدان لمستقلين)، وسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب (233 مقابل 197، ومقعد للحزب الليبرتاري، وأربعة شواغر).

وبطبيعة الحال فإن لمجلس الشيوخ صلاحية عرقلة القوانين التي يمررها النواب، وأكثر من ذلك، فإنه من صلاحيته إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية بما يخدم مصلحة الحزب الذي يسيطر عليه، كما أشار "روزينبيرغ" أيضا، في ثغرة أخرى بالديمقراطية الأمريكية.

 

اقرأ أيضا: هل ينتقم الأمريكيون السود من العنصرية بانتخابات نوفمبر؟

 

معضلة المجمع الانتخابي وتعديل الدستور


أشار تقرير نشره موقع "ذا هيل" مؤخرا، وترجمته عربي21"، إلى أن الولايات المتحدة شهدت خسارة المرشح الرئاسي الذي يحصد عددا أكبر من أصوات الأمريكيين أربعة مرات على الأقل، اثنتان منها في العقدين الماضيين، وآخرهم ترامب الذي انتزع الرئاسة بحصده 304 من أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 227 لهيلاري كلينتون، رغم أن الأخيرة نالت أصواتا مباشرة أكثر منه بنحو ثلاثة ملايين صوت.

وبحسب المادة الثانية من الدستور الأمريكي، فإن الناخبين في كل ولاية، لدى تصويت أغلبيتهم لأحد المرشحين للرئاسة، ولو كان ذلك بفارق صوت واحد، فإن رصيد الولاية بالمجمع الانتخابي، الذي يعكس عدد سكانها، يصب كله في صالح ذلك المرشح، في تجاهل لأصوات بقية الناخبين.

وبعبارة أخرى، إذا صوت جميع سكان نيويورك الـ19.5 مليونا، ذوي الأعراق المختلفة، لهيلاري كلينتون، فإنها ستحصل على 29 صوتا بالمجمع الانتخابي، فيما سيحصل ترامب على العدد ذاته بحال فوزه بولايتي جورجيا (10.5 مليون) وفيرجينيا (8.5 مليون)، حتى وإن لم يشارك غير ناخب واحد في كل منهما.

 

وينتج عن هذا الإجراء أيضا تأثير غير متناسب على الانتخابات الرئاسية لصالح الولايات منخفضة السكان مثل ألاسكا وديلاوير ومونتانا وشمال وجنوب داكوتا وفيرمونت ووايومنغ، ذات الأغلبية البيضاء.

 

وبحسب تقرير "ذا هيل"، فإن الولايات السبع الكبرى: كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك وإلينوي وبنسلفانيا وأوهايو، التي تضم وحدها نحو 40 بالمئة من سكان البلاد، تبقى رهنا للولايات الـ43 الأخرى، الصغيرة سكانيا، لتعديل كفة أحد المرشحين.

ويوضح التقرير أن فوز أحد المرشحين بتلك الولايات السبع جميعها (209 من أصل 538 صوتا بالمجمع الانتخابي)، وهو ما يصعب تحقيقه أيضا، سيضعه أمام اختبار الحصول على 61 صوتا بالمجمع الانتخابي لضمان الفوز، وهي أصوات موزعة على عدد كبير من الولايات الصغيرة سكانيا وذات التوجهات المحافظة عموما، ما يحكم بالفشل على أي برنامج انتخابي لا يأخذ بالاعتبار توجهات التجمعات المحافظة، ويحرم التكتلات الكبيرة من حق التأثير.

وبشكل عام فإن الأمريكيين البيض المحافظين ينتشرون بولايات كثيرة ذات كثافة سكانية محدودة وسط البلاد وجنوبها، فيما تتركز الكثافة السكانية المتنوعة بعدد أقل من الولايات على ساحلي البلاد الشرقي والغربي وحول البحيرات العظمى، وهو ما سلطت "عربي21" الضوء عليه في تقرير سابق.

 

وفي الواقع، فقد جرت محاولات عديدة لتعديل هذه الفقرة من الدستور الأمريكي، والسماح للناخبين بالتصويت مباشرة للرئيس، قدم آخرها عام 2004، بحسب موقع "فير فوت"، لكن ذلك، وإن تم تمريره بمجلسي النواب والشيوخ الفدراليين، فإنه يتطلب مصادقة مجالس ثلاثة أرباع ولايات البلاد لتمريره، أي 38 ولاية، باعتباره تعديلا دستوريا، ما سيبقي البلاد رهنا للتجاذبات الحادة ويضعها أمام الأخطار المترتبة على الاستقطاب والاحتقان، فضلا عن فقدان الثقة بالعملية الانتخابية.

التعليقات (0)