نشرت صحيفة "
إل
سالتو دياريو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الهوس الأوروبي بتأمين الحدود، الذي لا يدفع أعضاء
الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول غير قانونية وغير رسمية فحسب، بل يكلفهم أيضا
ثروة كان من الممكن توظيفها في برامج استقبال اللاجئين.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن
العنصرية هي أساس سياسات
الهجرة في الاتحاد الأوروبي التي تقوم على تجنب عمليات الإنقاذ البحري للمهاجرين
القادمين من ليبيا بشكل منهجي، ليترك عددا لا يحصى من الأشخاص للغرق أو العودة إلى
جحيم الحرب الأهلية ومواجهة الاحتجاز التعسفي والتعذيب.
بهذه الكلمات توجهت
كارولا راكيت، قبطانة سفينة "سي ووتش" الشهيرة، إلى أولئك الذين يعتقدون
أن العنصرية المؤسساتية هي مشكلة الآخرين، لتضيف صوتها إلى آلاف الناشطين
والمتظاهرين الذين يحتجون هذه الأيام لتأكيد أن حياة ذوي البشرة السوداء مهمة.
وأوردت الصحيفة أن
البحر الأبيض المتوسط يعد من أكثر طرق الهجرة دموية التي يسلكها طالبو اللجوء، ومن
الأماكن التي تحدث فيها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. في سنة 2019، غرق أكثر من
700 شخص في البحر، بينما وصل حوالي 15 ألفا إلى
أوروبا. كما انخفض عدد المهاجرين
الذين يصلون إلى البر الرئيسي عبر الساحل الإيطالي بشكل كبير، مقارنة بحوالي 12
ألفا الذين كانوا يفدون إلى شبه الجزيرة في سنة 2017، وذلك وفقا للمفوضية السامية
للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وبينت الصحيفة أن هذا
الانخفاض الكبير في عدد الوافدين يمثل النتيجة المقصودة لاستراتيجية الهجرة التي
تتبعها الحكومات الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا، التي تهدف إلى الحد من تدفقات
الهجرة على حدود البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال سحب وسائل الإنقاذ الحكومية
وغير الحكومية تدريجيا والاستعانة بمصادر خارجية للسيطرة على الحدود البحرية، على
غرار خفر السواحل الليبي بتقديم الدعم المادي والتقني والسياسي.
وفي الواقع، إن الحالة
الأمنية غير المستقرة على الساحل الليبي في خضم الحرب وعدم موثوقية خفر السواحل
الليبي، دفعت قوارب المهاجرين إلى الانحراف عن مسار زوارق دوريات المليشيات
الليبية والتوجه بدلا من ذلك إلى منطقة سار المالطية، أي المياه الدولية التي تخضع
لتنسيق سلطات لا فاليتا.
وأشارت الصحيفة إلى أن
انسحاب سفن الإنقاذ الدولية من البحر الأبيض المتوسط لم يساهم في انخفاض عدد
الوافدين إلى إيطاليا بشكل كبير فحسب، بل تسبب أيضا في زيادة عدد الوافدين إلى
جزيرة مالطا، من 23 في سنة 2017 إلى حوالي 3400 في سنة 2019.
وأضافت الصحيفة أن
بروكسل لم تقدم حتى الآن أي استراتيجية لإعادة توزيع منهجية مطالب اللجوء بين
أعضاء الاتحاد الأوروبي. والافتراض بأن مالطا يمكنها إدارة هذا البعد من أزمة
الهجرة المركزية في البحر الأبيض المتوسط بمفردها، حتى لو كان ذلك بسبب الخصائص
الجغرافية لمنطقة سار، غير منطقي.
في الآونة الأخيرة، كشف
الصحفي الإيطالي نيلو سكافو كيف انتهى الأمر بسلطات لا فاليتا بالرد على العدد
المتزايد من الوافدين بوضع بعض الاستراتيجيات الغامضة وغير القانونية. بين 10 و13
نيسان/ أبريل، اتصلت أربعة قوارب بعد مغادرة الساحل الليبي بخط الطوارئ المخصص
لمساعدة من يواجهون خطرا في البحر.
وأوضحت الصحيفة أنه لم
يكن لدى القوارب الأربعة فرصة لعبور مئات الأميال من البحر المفتوح بين ليبيا
والبر الرئيسي الإيطالي لأن ذلك مستحيل من الناحية الفنية لقارب مكتظ بالركاب وفي
حالة سيئة، ناهيك عن أن كمية الوقود التي يمكن تحميلها عبر الطائرة محدودة للغاية
مقارنة بالمسافة.
يوم 11 نيسان/ أبريل،
وصل قاربان إلى المياه المالطية بشكل منفصل. ومن هناك، خرجت دوريات من القوات
المسلحة المالطية ليس لنجدة الركاب وإنما لإعادة توجيه القاربين إلى ليبيا. وقد
صور بعض الراكبين في القارب المطاطي مقطعا مأساويا دام بضع ثوان، يوثق كيف قفز
العديد منهم في الماء رافضين العودة إلى طرابلس، وكان الكثير منهم لا يعرفون
السباحة. وفي الأخير، تعطلت المحركات. في هذه المرحلة، استسلم الجيش ومنحهما
محركات جديدة وخزانات وقود كافية لتمديد الرحلة لمسافة 100 كيلومتر أخرى في اتجاه
إيطاليا.
وأضافت الصحيفة أنه بعد
اكتشاف الاتفاقات السرية مع طرابلس، تفاوضت مالطا علانية على مذكرة مع فايز السراج
وقعها رئيس الوزراء روبرت أبيلا. كما سيعمل البلدان على تعقب المهاجرين في منطقة
البحر الأبيض المتوسط، مع تخصيص الاتحاد الأوروبي موارد مالية جديدة إلى طرابلس.
ونوهت الصحيفة بأن
مظاهر "رهاب الأجانب" تكون شديدة للغاية وقادرة على الكشف عن مدى أنانية
أعضاء الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، تُترك البلدان الحدودية وحدها أمام آلاف
المهاجرين دون أي عرض لإعادة توزيعهم على بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة إلى أن
انتهاكات السلطات المالطية للقانون الدولي بين 10 و15 نيسان/ أبريل تنبع أيضا من
عدم وجود اقتراح ملموس لإعادة توزيع طلبات اللجوء. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على
أن الاتحاد الأوروبي، المهووس بحدوده، يتسامح مع ممارسات العنصرية المؤسساتية ضد
الأشخاص الضعفاء الباحثين عن الحماية.
وأوردت الصحيفة أنه
بدلا من دعم استجابة إنسانية للأزمة، وافق الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/
ديسمبر الماضي على ميزانية قدرها 10 مليارات يورو لوكالة "فرونتكس"، وهي
نفس الوكالة التي تراقب القوارب في البحر المتوسط بطائرات متطورة دون أي تنفيذ
عمليات إنقاذ.
وفي الختام، نبّهت
الصحيفة إلى أن هذا الوضع لا يدفع أعضاء الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول غير قانونية
وغير رسمية فحسب، وإنما يكلف الاتحاد الأوروبي ثروة كان يمكن استغلالها بدلا من
ذلك في مساعدة المهاجرين الفارين من الحروب والبؤس والاضطهاد. وفي حين تقدم
السلطات الأوروبية نفسها كمدافع دائم عن حقوق الإنسان العالمية والأساسية، فإنها
تسمح بممارسة العنصرية المؤسساتية على الجانب الآخر من الحدود التي تحولت إلى
خنادق قاتلة.