هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين
بوليسي" الأمريكية مقالا لأستاذ الحكم والسياسة في جامعة مريلاند شبلي تلحمي، قال فيه إن
الضم الوشيك للضفة الغربية سيخلق واقع دولة واحدة، وسيضطر النخبة الأمريكية للاختيار
بين الالتزام بيهودية الدولة أو قيمها الديمقراطية.
وقال إنه في الوقت الذي تفكر فيه إسرائيل بضم أجزاء
كبيرة من الضفة الغربية، تماشيا مع ما يسمى خطة السلام للرئيس دونالد ترامب، برزت
بعض التفسيرات الإشكالية لهوية إسرائيل على أنها دولة يهودية، وعلاقة ذلك
بالديمقراطية.
هذه الآراء المتعلقة بهوية إسرائيل اليهودية لا تهم
فقط الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ولكن أيضا حوالي 20% من المواطنين الإسرائيليين
الذين يعرفون أنفسهم على أنهم عرب أو فلسطينيين. والآن هناك خطة أمريكية تقترح ليس
فقط ضم الأراضي المحتلة، بل أيضا استقطاع بلدات في إسرائيل لتسليمها للسلطة
الفلسطينية، فقط لأن سكانها الإسرائيليين ليسوا يهودا.
ويستشهد أحد مهندسي خطة ترامب، السفير الأمريكي ديفيد
فريدمان، عادة بنصوص توراتية لدعم ادعاءات السيادة الإسرائيلية على الأراضي
الفلسطينية المحتلة، فيسمح لتفسير للنصوص الدينية اليهودية أن يتفوق على القانون
الدولي والحقوق الأساسية الفلسطينية. وحتى صحيفة "نيويورك تايمز" استضافت
مشاركين مثل دانيل بايبس، الذي ادعى أن المواطنين العرب هم "العدو المطلق لوضع
إسرائيل كدولة يهودية".
ويعلق تلحمي بأن هذا الصنف من اليهودية الذي يبرز في
مقال دانيل بايبس ليس هو ما يعنيه معظم الأمريكيين عندما يدعمون إسرائيل كدولة
يهودية، وليس موقفا لديهم استعداد لتبنيه حسب ما تظهر الاستطلاعات. وهذه التطورات
مقلقة جدا، لكنها ليست غير مرتبطة تماما؛ فما شجعها هو الخطاب حول يهودية إسرائيل
وديمقراطيتها داخل النخبة السياسية، والذي يطرح عن غير قصد أن الإسرائيليين غير
اليهود يشكلون معضلة ديمغرافية. مضيفا أنه وقبل أن يصبح ترامب رئيسا بفترة طويلة،
اعتبر الكثير من الليبراليين والمحافظين الأمريكان أن كون إسرائيل دولة يهودية، وأنه يجب حماية يهوديتها، أمر مفروغ منه.
وبالنسبة
لكثير منهم، كان التعريف مقبولا بالإصرار على أن إسرائيل يهودية، وفي نفس الوقت
ديمقراطية، وهو ما نص عليه بيان إعلان قيام دولة إسرائيل.
ومفهوم الدولة اليهودية الديمقراطية ساعد المؤيدين
الليبراليين للدولة اليهودية، الذين لا يميلون في العادة إلى تأييد دول تعرف نفسها
بقوميتها الدينية أو العرقية، ولكن كلمة ديمقراطية على ما يبدو جعلت الأمر مقبولا.
ويقول تلحمي، صحيح -لو وضعنا الفلسطينيين الواقعين
تحت الاحتلال جانبا- أن المواطنين الإسرائيليين الذين يعرفون أنفسهم بأنهم عرب أو
فلسطينيون قطعوا شوطا كبيرا منذ السنوات الثماني عشرة الأولى من وجود إسرائيل، حيث
كانوا تحت إدارة عسكرية، فالآن لهم حقوق كمواطنين بحسب القانون، ويمكنهم الترشح
والتصويت في الانتخابات، وتم استيعابهم في أجزاء من الاقتصاد الإسرائيلي. لكن
وضعهم متخلف عن اليهود الإسرائيليين.
وأبعد من عدم المساواة الهيكلية والتعامل التمييزي من
الحكومات المتعاقبة، فالمسألة في صميمها قائمة على عدم شرعيتهم في الوعي الإسرائيلي، والتي تجد صداها في بيانات لرئيس الوزراء، حيث يقدمهم على أنهم يشكلون تهديدا، وفي حقيقة
أنه عندما تبدو الأحزاب العربية حريصة على الانضمام للحكومة، يجد التيار اليهودي الإسرائيلي
الرئيسي من الصعب قبولهم.
وتساءل تلحمي قائلا إنه لو كان من الممكن أن تكون
الدولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، لكان من الممكن تعريف إسرائيل على أنها وطن
قومي "للشعب اليهودي وكل مواطنيها" بشكل متساو. ولكن الحقيقة هي أنه كان
هناك دائما منذ 1948 تنازلا لصالح اليهودية على الديمقراطية، بالسماح لليهود من
أنحاء العالم أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين، مع منع الآخرين نفس الحقوق، بمن فيهم
الفلسطينيون الذين غادرت عائلاتهم أو طردت من ما يسمى الآن إسرائيل قبل أن تصبح دولة
مستقلة. كما أن بإمكان إسرائيل فرضيا أن تكون عمياء تجاه الدين أو العرق.
لكن إسرائيل لم تكن أبدا عمياء تجاه دين أو عرق
مواطنيها، ومنذ تمرير قانون "الدولة القومية" عام 2018 قامت بتأكيد
يهوديتها بشكل أكثر صراحة، وخفضت منزلة كل من هو ليس يهوديا.
وهذا القانون يعرّف إسرائيل بأنها "الوطن القومي
للشعب اليهودي"، وينص على أن "ممارسة الحق القومي لتقرير المصير في دولة
إسرائيل أمر خاص بالشعب اليهودي فقط"، ولا يذكر الديمقراطية أو المساواة
للآخرين.
ويرتبط القانون بالتوجهات العامة الإسرائيلية
اليهودية السائدة لتقديم يهودية الدولة على ديمقراطيتها. وأظهرت دارسة لشركة "بيو"
للاستطلاعات عام 2014-2015 أن من بين 5601 إسرائيلي استطلعت آراؤهم 79% من اليهود
الإسرائيليين يرون بأن اليهود يستحقون معاملة تفضيلية في إسرائيل.
بالمقابل، تظهر استطلاعات رأي الأمريكيين اختيارا قويا
للديمقراطية على يهودية إسرائيل. وأظهرت الاستطلاعات لسنوات بأنه في غياب حل
الدولتين يفضل حوالي ثلثي الأمريكان وثلاثة أرباع الديمقراطيين أن تكون إسرائيل
ديمقراطية وتعامل جميع مواطنيها بمساواة كاملة -حتى لو عنى ذلك أن إسرائيل لم تعد
ذات غالبية يهودية- على أن تكون دولة يهودية دون مساواة كاملة بين مواطنيها.
وهذه الروح الأمريكية نوعا ما هي التي ستضع النخبة
السياسية في أزمة: فهم قاموا بالتزام بدهي نحو يهودية إسرائيل التي لا يستعد لتحديها
إلا القليل، بينما يعتقدون في نفس الوقت أنهم من دعاة الديمقراطية.
وكان الالتزام بحل الدولتين للإسرائيليين
والفلسطينيين مجرد خدعة سيكولوجية، حيث تلاشت فرصها أمام العيان.
والاعتراف
بواقع الدولة الواحدة يعني أن تضطر للاختيار بين ديمقراطية إسرائيل ويهوديتها،
وقليل هم من يريدون أن يوضعوا في هذا الموقف. فمن الأسهل بكثير أن يطرح التمييز
القائم في إسرائيل والأراضي المحتلة على أنه حالة مؤقتة، وليست حالة دائمة بحاجة إلى
خيارات مؤلمة.
ولكن في الواقع، ولو وضعنا جانبا التوجهات العامة
الأمريكية، فإن لغة النخبة السياسية الأمريكية أكدت على يهودية إسرائيل، حتى عند
المناداة بالمساواة والديمقراطية.
وإحدى الحجج التي تستخدم لصالح حل الدولتين -وغير ذلك
يعني أن إسرائيل ستخسر إما يهوديتها أو ديمقراطيتها- تؤكد على العامل الديمغرافي:
فإن ضمت إسرائيل الضفة الغربية لن تعود دولة ذات أكثرية يهودية؛ لأن عدد العرب أكثر
من عدد اليهود، وللحفاظ على يهوديتها على إسرائيل أن تكون غير ديمقراطية. ولذلك
يعتبر العرب، بشكل غير مقصود، مشكلة ديمغرافية، إن لم يكونوا تهديدا محتملا.
والإعلان بأن مواطني إسرائيل العرب هم "العدو النهائي" ليس إلا النتيجة
المتطرفة للتركيز على الديمغرافية.
وفي الواقع، يمكن للشخص أن يتخيل إجراءات أكثر تطرفا، خاصة إن كان هناك تصعيد للعنف، بما في ذلك المزيد من طرد الفلسطينيين، فقد أظهرت
دراسة لشركة "بيو" للاستطلاعات بأن 48% من اليهود الإسرائيليين يفضلون
طرد أو "نقل" العرب، وهو موقف ينادي بالتطهير العرقي لطالما تبناه
اليمين المتطرف الإسرائيلي.
وليست إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تعرف نفسها بشكل
متزايد بمصطلحات إثنية دينية -فصعود القومية الهندوسية المتطرفة في الهند هو مثال
واحد فقط- لكنها الدولة الوحيدة التي لا تزال تقوم بأطول احتلال معترف به دوليا.
وتتعايش أمريكا عادة مع واقع لا تحبه. ولكن لم يسبق أن شوهدت واشنطن تدفع نحو تلك
الأفكار، بل وتستخدم موارد قوة عظمي لتحقيقها.
إن خطاب أمريكا المتسامح إلى درجة التهور فتح الباب
أمام استنتاجات متطرفة غير مقصودة، تظهر في كل مكان من البيت الأبيض إلى صفحات
الرأي في الإعلام.
ويعتقد الكاتب أن الترامبية هي حالة عابرة ستتجاوزها
أمريكا. ولكن في مواجهة اللحظة، لا يكفي معارضة استخدام ترامب للقوة الأمريكية
لتقويض قيمها، فاللغة المستخدمة والتبريرات الموظفة لها تداعيات، ويجب على معارضة
السياسات تجنب الحجج الإشكالية المتعلقة بالتهديد الديمغرافي والدعوة لإنقاذ عملية
السلام الغائبة، بل يجب أن تكون قائمة على مبادئ القانون الدولي والأعراف، ومتماشية مع القيم الأمريكية.