هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
«كيشور محبوباني» أكاديمي سنغافوري يُعد أحد أكثر معلّقي السياسة الدولية تأثيرا. وفي كتابه المعنون بـ«هل فازت الصين؟»، يوضح أنه ضمن المنافسة التي تجمع الصين والولايات المتحدة، ترتكب الصين أخطاء أقل من منافستها على الجانب الآخر من المحيط الهادي، وإن كانت هذه الأخيرة لا تزال في المقدمة. وإذا كان الاتحاد السوفييتي قد تمكن إبان الحرب الباردة من بلوغ 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، في أفضل أحواله، فإن الصين بلغت اليوم 60 في المئة، في وقت ما فتئ فيه الفارق بينهما يزداد تقلصا.
ووفق «محبوباني»، فإن الخطأ الرئيسي للصين هو إغلاق سوقها وعدم
تطبيقها قواعد التجارة الدولية. فمنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في
2001، ضاعفت الصين ناتجها المحلي الإجمالي بعشر مرات. وبالتالي، فإنها لم تعد
اليوم تستطيع المطالبة بحمايةٍ مماثلةٍ لتلك التي يحظى بها بلد سائر في طريق
النمو، والتي كانت تستفيد منها حين انضمامها للمنظمة. كما أنه ينبغي ألا يتم
التقليل من شأن الولايات المتحدة، التي ما زالت قادرة على التعافي والنهوض من جديد.
بيد أن الولايات المتحدة نفسها ارتكبت وترتكب عدة أخطاء. وفي هذا
الصدد، يرى «محبوباني» أنه ينبغي عليها أن تحسم بين الرغبة في تسهيل حياة 330
مليون أميركي ورغبتها في الحفاظ على الهيمنة العالمية. فهذان الهدفان متضاربان
وغير منسجمين، لأن ذلك يدفع واشنطن إلى زيادة نفقاتها العسكرية بطريقة متسارعة في
حين أن الصين لا تسقط في هذا الفخ. ذلك أنها أدركت أن الاتحاد السوفييتي إنما
انهار حين أراد مواكبة الولايات المتحدة. والحال أن التنافس بين بكين وواشنطن لا
يُحل من خلال الوسائل العسكرية، كما يؤكد المؤلف. ذلك أن الحرب من شأنها أن تؤدي
إلى تدمير متبادل للبلدين. وبالتالي، فإن الدبلوماسية هي الوسيلة التي يمكن من
خلالها إيجاد حل للنزاع. وعليه، ما جدوى امتلاك الولايات المتحدة لعدة آلاف من
الأسلحة النووية؟ ذلك أن بضع مئات من تلك الأسلحة النووية التي تمتلكها الصين
كافية لردع الولايات المتحدة. وفضلا عن ذلك، إذا كانت حاملة طائرات أميركية تكلّف
13 مليار دولار، فإنه بتكلفة تناهز بضع مئات الآلاف من الدولارات يستطيع صاروخ «دي
إف 26» تدميرها.
محبوباني ينتقد أيضا النظام الدبلوماسي الأميركي. ذلك أن تعيين
أصدقاء للسلطة (الإدارة) في السفارات الأميركية الأكثر أهمية يحرم مواهب
الدبلوماسية الأميركية وكفاءاتها من مناصب حقيقية. ولهذا، فإن الأفق بالنسبة لكثير
من الدبلوماسيين المحترفين الأميركيين ينتهي عند مناصب ثانوية. والدبلوماسية الأميركية
تعاني من هذا النظام. كما أن الدبلوماسية الصينية ترتكز على المؤسسات الدولية في
حين أن ترامب يريد تدميرها. ووفق محبوباني، فإن الصين تحظى بتأييد الأغلبية في
الجمعية العامة للأمم المتحدة بينما باتت الولايات المتحدة أكثر عزلة.
ومما لا شك فيه أن الحجة الديمقراطية تصب في مصلحة الولايات
المتحدة. ولكن هنا أيضا يفنّد محبوباني هذه الحجة من خلال وجهة نظر غير غربية. إذ
يشير إلى أنه إذا كان عدد سكان الصين أكبر من سكان الولايات المتحدة بأربع مرات،
فإن هناك 2 مليون و200 ألف سجين في الولايات المتحدة في حين أنه لا يوجد في الصين
سوى 1 مليون و600 ألف سجين. ولكن انتقاده الأهم للديمقراطية الأميركية يتعلق بنمط
التمويل. إذ يوضح المؤلف أن لدى الولايات المتحدة قانونا لمكافحة الفساد في
الخارج، «قانون ممارسات الفساد الخارجية»، الذين يعاقب على تحويل المال إلى صناع
قرار أجانب من أجل التأثير على قراراتهم. ويشرح أنه منذ نهاية تحديد النفقات
الانتخابية بالنسبة للحملات الانتخابية، التي قررتها المحكمة العليا في 2010، سُمح
للولايات المتحدة بما حرّم على الخارج. وفي المحصلة، تؤثّر كل النفقات على
القرارات السياسية، وتأثير المال يحدّ من الديمقراطية الأميركية.
ويشير الأستاذ الجامعي السنغافوري إلى هنري كيسنجر الذي يقول إن
الصينيين يلعبون لعبة «الغُو» حيث ينبغي محاصرة الخصم، في حين يفضّل الغربيون لعبة
الشطرنج، حيث ينبغي الانقضاض على الملك في أسرع وقت ممكن.
وأخيرا، تتمثل المشكلة الرئيسية، بالنسبة لـ«محبوباني»، في أن
العنصر الوحيد للإجماع في الولايات المتحدة هو معارضة «الخطر الأصفر». فجو بايدن
ودونالد ترامب متفقان حول هذه النقطة. بل إنه حتى جورج سوروس، الذي موّل حملات
انتخابية في محاولة للحؤول دون انتخاب دونالد ترامب، يوافق على سياسة هذا الأخير المعارضة
للصين. والحال أن هذا الإجماع في الولايات المتحدة يبدو خطيرا للغاية. وفي هذا
الإطار، يرى «محبوباني» أنه يجدر بالمسؤولين الأميركيين السعي للحفاظ على رفاهية
شعبهم بدلا من السعي وراء هذه الهيمنة. ويعتبر أنه لم يسبق أبدا في تاريخ الصين
الذي يناهز ألفي سنة أن كان الصينيون سعداء مثلما هم اليوم، وأحرارا، كما يقول،
مثلما هم اليوم. وبالطبع، يولي الصينيون الأولوية لمكافحة الفوضى.. وختاما، فإن
كتاب «هل فازت الصين؟» محفّز للذهن ويغذّي النقاش بفضل جِدة حججه وقوّتها.
(الاتحاد الإماراتية)