هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"اليوم، هم لاجئون. غدا، يمكن أن يكونوا الطلاب والأساتذة والعلماء والباحثين والعاملين ومقدمي الرعاية. عندما تدار بشكل صحيح، فإن قبول اللاجئين هو فوز للجميع".
عادة ما كان يصرح أنه يشعر بالقلق من المسألة الفلانية والعلانية، إلا أن كلام الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون عن اللاجئين السوريين في بيانه الافتتاحي في 30 آذار/ مارس 2016 كان مختصرا ومفيدا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف على الدول المضيفة أن تدير أزمة اللاجئين بالشكل الصحيح لتضمن فوز الجميع؟ سأحاول في هذه المقالة خدش السطح ومناقشة بعض الأفكار المطروحة بهذا الخصوص.
حقائق عن اللاجئين
تُعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اللاجئ على أنَّه "الشخص الذي أُجبر على الفرار من بلاده بسبب الاضطهاد أو الحرب أو العنف". من الأسباب الرئيسة وراء فرار اللاجئين من بلدانهم هي الحرب والعنف العرقي والقبلي والديني. لذلك، على الأرجح، لا يمكنهم العودة إلى ديارهم أو يخشون القيام بذلك.
في هذا الصدد، يشهد العالم أعلى مستويات اللجوء المسجلة. وبحسب إحصائيات المفوضية لعام 2018، يقدّر أعداد اللاجئين بحوالي 71 مليون شخص بعدد سكان دولة تايلند. يأتي ثلثا مجموع اللاجئين في جميع أنحاء العالم من خمس دول فقط: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار والصومال. بشكل عام، متوسط مدة بقاء اللاجئين في المنفى ما يقرب من 20 عاما. وكثيرا ما تقتصر أماكن اللجوء على المخيمات والمستوطنات المغلقة، حيث يُحرم اللاجئون من الحق في العمل أو التنقل بحرية. لذا، بدلا من الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى إعادة الاندماج على المدى الطويل، كثيرا ما يقع النازحون في هذا الفخ المدقع.
مدى تعاون الدول لاستضافة اللاجئين
تعتبر اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 الوثيقة القانونية الأساسية التي تشكل أساس عمل المفوضية. وقد صادق على الاتفاقية 145 دولة، وهي تحدد مصطلح "اللاجئ" وتوضح حقوق اللاجئين، إضافة إلى الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق الدول من أجل حمايتهم. ويتمثل المبدأ الأساسي في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدا خطيرا لحياته أو حريته. ووفقا للتشريعات، من المفترض أن تتعاون الدول مع المفوضية لضمان احترام وحماية حقوق اللاجئين. في هذا السياق، نجد أن أعلى الدول المضيفة للاجئين هم تركيا وألمانيا وأوغندا والسودان وباكستان.
وعلى الرغم من وجود بعض النماذج الناجحة في استضافة الدول للاجئين، إلا أن العديد من الدول الأوربية كألمانيا والسويد قد أغلقت حدودها في استقبال موجات جديدة من اللاجئين عموما. يمكن تفسير هذا القرار بثلاثة أسباب:
أولا: عدم قدرة "الأنظمة الديمقراطية" على استيعاب أعداد هائلة من المهاجرين بسبب احتمال عدم المساواة في المعاملة بين المواطنين واللاجئين. ولو فرضنا جدلا أن هذه الدول قد تسمح بأعداد كبيرة من اللاجئين بشرط إعطائهم وضعا قانونيا مختلفا (مثال ذلك: عدم إعطائهم الفرصة بأن يصبحوا مواطنين للدولة المضيفة لهم نفس الامتيازات في المستقبل)، فإن مثل هذه الظروف من عدم المساواة سوف تثبت في المستقبل أنها نهج ضار للغاية لكل من اللاجئين الذين يصلون والمواطنين في المجتمع الحالي.
ثانيا: أصبحت هناك قناعة لدى بعض المواطنين الأوروبيين بأنَّ اللاجئين لا يحاولون الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. هذه الحالة كانت واضحة في السويد، حيث صرح بعض السويديين أنَّ هناك جزءا من اللاجئين الذين تم إدخالهم إلى السويد يشعرون بالإحباط بسبب الحياة على هامش المجتمع. ويبدو أن هذا الإحباط الحاد يتمثل بشكل خاص بين الشباب الذكور. تشمل الأعراض أنماط الاستيطان المركزة، مثل تلك الموجودة في ضواحي باريس، وارتفاع معدلات الجريمة، بما في ذلك عنف العصابات. الغريب في الأمر أن الشباب اللاجئين الذين ينهجون مثل هذه السلوكيات لم يكونوا قد فعلوها أبدا في بلدانهم الأصلية. فلم يكن الأمر أنهم جلبوا معهم "ثقافة الجريمة أو العنف"، بل إنها نشأت محليا معهم في السويد، حيث أنهم بعد وصولهم، تبنوا ثقافة معينة للعالم الغربي المتقدم، وهي "عصابة الثقافة المعارضة".
ثالثا: بالرغم من أن حالات الجريمة والعنف قليلة نسبيا، إلا أن الأكثر إثارة للقلق هو أن أزمة اللاجئين ساهمت في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث تصدرت المشهد في العديد من الدول الأوروبية والعالمية. في هذا الخصوص، يجب التنويه إلى أن أزمة اللاجئين قد ساهمت جزئيا في نمو اليمين المتطرف، كما ساهمت عدة عوامل أخرى، كالأزمة الاقتصادية لعام 2008 والتعافي البطيء لأوروبا منها.
علاج الأزمة بحقن البوتكس
تخيل معي عزيزي القارئ أن طبيبك أخبرك (لا سمح الله) بأنَّ "هناك كتلة سرطانية في جسدك وحاليا لا يوجد علاج ناجع لحالتك. ولكن، لدينا تجربة سريرية ذكية للغاية تظهر بشكل قاطع أن البوتكس سيجعلك تبدو أصغر سنا. لذا، فإن توصيتي هي أن تنتظر بعض الدراسات الأفضل قبل القيام بأي شيء حول الورم، ولكنني سأعطيك بعض حقن البوتوكس". بالتأكيد لو كنت مكانك سأبحث عن طبيب آخر.
في هذا المثال السابق، ينتقد العالم الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد بول رومر (Paul Romer) الباحثين الاقتصاديين، بسبب تقديم نتائج عملهم وتوصياتهم السياسية استجابة للحوافز المقدمة لهم، حيث أنّ متطلبات النشر في الدوريات المُحكَّمة دفعت العديد من الاقتصاديين إلى السير في طريق الأفكار والمشاريع الصغيرة التي تشبه البوتكس، بدلا من الأفكار الأكثر جرأة لاستئصال الورم بشكل كامل. لذلك، تكون هذه التوصيات المؤقتة على حساب السياسات الناجعة، والتي لها تأثير أكبر على الحد من الفقر وديمومة النمو الاقتصادي.
في هذا الإطار، بادر العديد من الأفراد والمنظمات بطرح مشاريع اقتصادية وسياسية هي أشبه ما تكون "بالبوتكس" لحل أزمة اللاجئين. من أشهر هذه المبادرات هي إنشاء مدينة أو دولة خاصة باللاجئين. ولا يخفى على البعض أنّ مثل هذه الحلول لها مآرب أخرى بتغيير التركيبة السكانية وفرض الأمر الواقع وتشتيت اللاجئين مع عدم المطالبة بحقوقهم في العودة لأوطانهم لاحقا. أيضا، تقوم الفكرة على استبعاد اللاجئين في مجتمعات منفصلة بدلا من اندماجهم في المجتمعات السياسية القائمة. وبالتالي، فإن فكرة الاستبعاد تبعث برسالة خطيرة مفادها أن اللاجئين يمثلون عبئا على الدولة المضيفة.
الحلول القائمة
إن من أهم التحديات القائمة هي تشجيع الدول المضيفة على دمج اللاجئين مؤقتا، حيث أنَّ بإمكانهم أن يساهموا بشكل فعال في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بناء على هذه الفرضية، قامت مجموعة من الباحثين في جامعة أكسفورد عام 2014، بنشر دراسة هي الأولى من نوعها عن الحياة الاقتصادية للاجئين في أوغندا. خَلُصَ التقرير إلى أنَّ اللاجئين باستطاعتهم تقديم مبادرات اقتصادية إيجابية للمجتمعات المضيفة إذا ما تم اعتماد السياسات الصحيحة. وحتى لا أطيل عليكم، سأكتب مقالة خاصة عن حيثيات هذه الدراسة في الأيام القادمة.
خاتمة
ما أود أن أقوله في هذه المقالة هو أن العالم يواجه أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك وجب علينا الترحيب بالحلول المبتكرة القابلة للاستمرارية لمواجهة هذا التحدي، مع مراعاة الحاجات الثقافية والاجتماعية للاجئين حيث أن أغلب المبادرات تركز على الجانب الاقتصادي فقط. في هذا الخصوص، صدر مؤخرا الميثاق العالمي لشؤون اللاجئين سنة 2018، والذي يعد إطارا لتقاسم المسؤوليات بشكل أكثر إنصافا وقابلية للتنبؤ بين الدول، مع إدراك حقيقة أنه لا يمكن تحقيق حل مستدام لأوضاع اللاجئين من دون التعاون الدولي.
وتتمثل أهدافه الرئيسية الأربعة في:
1- تخفيف الضغوط على البلدان المستضيفة.
2- تعزيز قدرة الاعتماد على الذات لدى اللاجئين.
3- زيادة إمكانية اللجوء إلى الحلول المتمثلة في قبول اللاجئين في بلدان أخرى.
4- دعم الظروف في بلدان الأصل للعودة بأمان وكرامة.
في هذا السياق، هناك حاجة ملحة إلى الكثير من الجهود العلمية من أجل تعزيز فهمنا لكيفية اندماج اللاجئين في مجتمعاتهم الجديدة، وإلى أي مدى تستطيع الدول تنفيذ أهداف الميثاق العالمي لشؤون اللاجئين. نضرب هنا مثالا على التجربة التركية في استضافة اللاجئين ومبادرة الحكومة التركية في إيجاد مناطق آمنة داخل الأراضي السورية.
لذلك أود أن أختم هذه المقالة بتشجيع زملائي الباحثين وطلاب الماجستير والدكتوراه على دراسة هذه الظواهر من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما أنني على استعداد للتعاون وتقديم المساعدة والمشورة في العمل على هذه المسارات البحثية في المستقبل.