قضايا وآراء

هل تيدروس الوزير هو تيدروس المدير؟

سمير حسن
1300x600
1300x600
وقع نحو مليون شخص على عريضة لإقالة تيدروس أدهانوم، مدير منظمة الصحة العالمية، ولا يزالون يجمعون التوقيعات من خلال صفحة مخصصة لذلك على الإنترنت.

والسبب هو رفض تيدورس إعلان حالة الطوارئ الصحية في العالم بعد تفشي فيروس كورونا في 23 كانون الثاني/ يناير 2020.

بعض الخبراء أكدوا أن تيدورس نجح في إدارة المنظمة حتى الآن، وآخرون ينتقدون انحيازه للصين، وتأخره في اعتبار الفيروس وباء عالميا لنحو لشهرين.

بعيدا عن حجب التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، بل بعيدا عن المنظمة نفسها، فمن المبكر تقييم نجاحه أو فشله في إدارة المنظمة أو أزمة كوفيد-19.. مع الأخذ بعين الاعتبار ما كشفه تقرير لأسوشيتد برس في صيف العام الماضي من أن منظمة الصحة العالمية في 2018 (أي بعد مرور السنة الأولى من ولاية تيدورس)، صرفت 192 مليون دولار على السفريات، بينما وصل العجز في ميزانية مكافحة مرض إيبولا 40 مليون دولار.

ربما للرجل أعداء ومنافسون، ونحن كجمهور لا نستطيع الحكم عليه، لكن من حقنا أن نتساءل: هل يمكن أن نثق فيه وفي إدارته لمنظمة عالمية؟

صحيح أنه أول مدير أفريقي في تاريخ المنظمة منذ تأسيسها قبل 75 عاما، لكن هذا ليس لعبقرية أفريقيا في الطب، وإنما لأن بعض الدول الممولة للمنظمة أرادت أن يكون مدير المنظمة أفريقيا.

لكن تيدورس أول مدير للمنظمة لم يدرس الطب، بعكس ثمانية سبقوه، فقد درس العلوم في الجامعة، وصحة المجتمع أو طرق الوقاية من الأمراض كانت موضوع دراسته العليا.

ستقول وما المشكلة؟ فوزير الصحة الإيطالي خريج علوم سياسية، ونظيره الإسباني درس الفلسفة وإدارة الأعمال، فوزير الصحة لن يعالج الشعب وإنما يضع سياسة المحافظة على صحة الشعب.

أرقام إصابات ووفيات فيروس كوفيد-19 في إسبانيا وإيطاليا تعبر بوضوح عن كارثية هذه الفلسفة.

على نفس النهج يأتي تيدورس، فهو لا يحل الأزمة لأنه لا يقدر على ذلك لكنه يديرها بالسياسة، والنتيجة كارثية أيضا.

ينتمي تيدورس إلى جبهة تحرير تغراي، وهي الجبهة المسلحة لأقلية تغراي شمال إثيوبيا وتمثل 6 في المئة من السكان، اشتركت مع جبهات أخرى في الفترة من 1974 إلى 1984 حتى أسقطت الحكم العسكري لمنغستو هايلي ماريام سيلاسي.. ليس في ذلك مشكلة.

صنفت قاعدة بيانات الإرهاب العالمي التابعة لوزارة الأمن الداخلي الأمريكية؛ الجبهة المعروفة اختصارا بـ"TPLF" كتنظيم إرهابي في التسعينات، وما زالت على القائمة.

من 1991 حتى 2018 حكمت هذه الجبهة إثيوبيا مع جبهات قومية أخرى تحت اسم موحد هو الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوپية، من خلال سياسة قمعية وتهميش المعارضة، ما أهلها للفوز في معظم الانتخابات بنسبة 96.6 في المئة حسب المنظمات الحقوقية الدولية.

لذلك لا تنسى السؤال الأهم، وهو من أين جاء تيدورس؟ من إثيوبيا، الكلام هنا ليس عن الشعب أو الأرض، وإنما النظام الذي جعلها واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، وحصلت على 19 من 100 في مؤشر حرية الإنسان، وهي في المرتبة 150 من أصل 180 في حرية الصحافة لعام 2018، أي مع بداية التغيير، فما بالك بما كان قبل ذلك؟

تيدورس، في بداية التسعينيات من القرن الماضي كان مشغولا بدراسته، ومع بداية الألفية انهمك في بناء مستقبله المهني، وبدايته الحقيقية في السياسة كانت في 2005 إذ عُين وزيرا للصحة حتى 2016، فماذا فعل؟

نقلت نيويورك تايمز عن لورنس جوستين، مدير معهد أونيل لقانون الصحة الوطنية والعالمية في جامعة جورج تاون، أن تيدورس عندما كان وزيرا للصحة في بلاده تستر على انتشار وباء الكوليرا في البلاد في أعوام 2006 و2009 و2011 ورفض الاعتراف بوجود كوليرا في إثيوبيا رغم أن اختبارات الأمم المتحدة أكدت وجودها آنذاك، كما ضغطت الوزارة على موظفيها لعدم الكشف عن عدد المصابين. وتقول "بي بي سي" العالمية إنه منع الصحفيين أيضا من الحديث عن انتشار الكوليرا في إثيوبيا.

في 2010 اتهمته هيومان رايتس وتش بالتمييز المنهجي وانتهاك حقوق الإنسان، وكتبت في تقريرها أن المساعدات حُجبت عن قومية الأمهرة بسبب انتماءات أفرادها المعارضة للحكومة، ونتيجة لذلك انخفضت معدلات المواليد انخفاضا كبيرا في إقليم أمهرة مقارنة بالأقاليم الأخرى.

يغادر تيدورس وزارة الصحة تاركا إثيوبيا تعاني من الإيدز، والملاريا، والإسهال الجرثومي والطفيلي، وحمى التيفوئيد، والتهاب الكبد A، وحمى الضنك، وداء الكلب، وغيرها من الأمراض.

لكنه يعين وزيرا للخارجية في الفترة من 2012 إلى 2016. فماذا فعل؟

في 2016 خلال احتفال قومي لأقلية الأورومو، أكبر العرقيات وكانت تقود الاحتجاجات ضد الحكومة من 2015 إلى 2018، وإليها ينتمي رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، هاجمت الشرطة الاحتفال بالغاز المسيل للدموع، وبإطلاق الرصاص في كل اتجاه، ساد الهلع وبدأ تدافع الموجودين، فسقط نحو 500 قتيل، بحسب هيومن رايتس ووتش، ثم أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، واعتقلت نحو سبعين ألف شخص.

انبرى تيدروس للدفاع عن النظام بنفسه في سجال مع هيومن رايتس ووتش، وقال إن القتلى كانوا 55 فقط، وأكد أن الشرطة كانت غير مسلحة. لكن فيديو على يوتيوب لا يدعم تصريحات الوزير تيدورس، وخلال مقابلته مع "سي إن إن" عرضت عليه كرستيانا أمانبور شهادة صحفي اعتقل، فأنكر اعتقال الصحفيين ووصف المعتقلين بالإرهابيين.

على مدى شهور يطل علينا تيدورس كل بضعة أيام في مؤتمر صحفي يشكر هذا الرئيس ويثني على ذاك الوزير، يحذرنا من الفيروس وينبهنا إلى أهمية التباعد، ثم يبتسم قائلا.. أراكم غدا.

وفي الغالب سنراه على مدى عامين قادمين تبقيا على انتهاء ولايته لأن تكوينه السياسي لا يشجعه على أن يفاجئنا باستقالته، حتى لو جمع معارضوه مليار توقيع، ولا نستغرب إذا رأيناه غدا مديرا لولاية ثانية في منظمة الصحة العالمية أو رئيسا لإثيوبيا وربما أمينا عاما للأمم المتحدة، فهذا النوع هو الذي يتصدر المشهد في كل العالم.
التعليقات (0)

خبر عاجل