هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في إحدى المحافظات تم حجز مجموعة من المواطنين للاشتباه بإصابتهم
بفيروس كورونا. أحد هؤلاء اتصل بصحفي يترجاه أن يحصل له على توصية بأن يخرجوه من
الحجر، وألا يخبر أحدا من أقاربهم أو معارفهم عن حجزهم لأنهم يعدّون ذلك فضيحة.
لم أكن أصدق هذه الحكاية، لولا أنني أثق بهذا الصديق الذى نقل لي
هذه القصة مساء الخميس الماضي.
هذا الصديق قال أيضا، إنه في إحدى قرى الوجه البحري، هناك بعض المواطنين
يتشاجرون مع الأطباء، لو قالوا لهم إن هناك اشتباها في إصابتهم بكورونا.
للأسف الشديد، عدد لا بأس به من المواطنين يتعامل مع الإصابة المحتملة
بالفيروس باعتبارها فضيحة وشبه إهانة وقلة قيمة، رغم أن ذلك غير صحيح تماما.
فيروس كورونا مثله مثل أي فيروس، مرض يمكن أن يصيب أي شخص، ولا يوجد
من هو معصوم منه.
كنت أعتقد أن هذا السلوك قاصر على بعض أهالينا في الريف، لكن فوجئت
أنه موجود عند من نعتقد أنهم نخبة. قبل أيام سرت شائعة قوية بأن أحد كبار رجال
الأعمال قد أصابه المرض، وبعدها بساعات خرج عدد من المقربين منه ينفي بكل الطرق
الخبر.
لكن كان الملاحظ على صيغة النفي هو الإحساس بالخجل من احتمال حدوث
ذلك.
ما الذى يجعل الناس عندنا تخجل من الإصابة بكورونا، وتنظر إليه
باعتباره فضيحة وقلة قيمة؟!
هل هؤلاء يتعاملون معه باعتباره نوعا من الجرب مثلا، وحتى لو كان
كذلك، فحتى الجرب مرض يفترض أن نتعامل مع المصابين به باعتباره مجرد مرض قابل للشفاء، شرط اتباع التعليمات الصحية والطبية الواجبة.
لو كانت الإصابة بكورونا فضيحة، ما رأينا كبار السياسيين
والدبلوماسيين وقادة الجيوش والفنانين والشخصيات العامة، يخرجون علنا ويعترفون
بأنهم أصيبوا بالفيروس.
خلال الأيام الماضية عرفنا أن هذا المرض اللعين أصاب رئيس الوزراء
البريطاني بوريس جونسون، وقبله العديد من وزراء حكومته خصوصا وزير الصحة، ووزيرة
الدولة للصحة، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، وزوجة رئيس الوزراء الكندي،
وأصاب رئيس الأركان الإيطالي، وقائد الجيوش البولندية وأمير موناكو، ووصل إلى كبار
الفنانين العالميين مثل توم هانكس وإدريس ألبا.
وفي إيران ضرب الفيروس العديد من المسؤولين، وآخرهم رئيس البرلمان علي
لاريجاني، بل إنه تسبب في وفاة العديد منهم.
ويوم الخميس الماضي تم الإعلان عن احتمالية إصابة رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمرض، بعد التأكد من إصابة وزير الصحة الإسرائيلي
الذى التقى نتنياهو قبلها بيومين.
السؤال لبعض أهالينا الذين يشعرون أن الإصابة بكورونا مهينة وفضيحة: ولماذا لا يشعر كل كبار المسؤولين في العالم بالشعور نفسه إذا كان الأمر كذلك؟!
يقول كثيرون إن أحد أهم ما يميز فيروس كورونا أو «كوفيدــ19» أنه لا
يفرق بين غني وفقير، بين قوي وضعيف، بين أمريكي وموزامبيقي، بين صعيدى وبحراوي،
بين أهلاوي وزملكاوي، بين شيعي وسني، أو مسلم ومسيحي، أو أوروبي وأفريقي.
هو فيروس عادل جدا، يصيب الجميع، بل إن إحدى الملاحظات أنه ضرب
الكبار والأغنياء في العالم أكثر كثيرا مما ضرب الفقراء والدول الصغيرة، ولا نعرف
تفسير ذلك حتى الآن، وإن كان البعض يرجع ذلك إلى أن الدولة الفقيرة لا تملك
المعدات والأجهزة والأدوات والإمكانيات التي تجعلها تتقصى وتترصد الفيروس، حتى
تعرف حجم الإصابات الحقيقية.
إلى أهالينا في كل مكان في مصر: المرض ليس عيبا وكورونا ليس فضيحة،
وما حدث في قرية الهياتم بالغربية، وغيرها من الأماكن التى ضربها الفيروس لا يصح.
وتذكروا أن كل من خالفوا التعليمات الصحية واستهتروا بها من البداية، دفعوا ثمنا
فادحا في النهاية، وإذا كان من حق البعض أن يرفض تسلُّم مساعدات، فليس من حقه التظاهر
ضد فرض العزل والحظر الجزئي أو الكلي؛ لأن القرار هنا لا يتعلق بالحريات، بل بصحة
المجتمع وسلامته ككل. السعودية فرضت حظرا كاملا وشاملا على مكة والمدينة والقطيف
والدمام، وإسرائيل فرضت حظرا شاملا على مدينة بينى بارك قرب تل أبيب، التي يقطنها
المتشددون، الذين راحوا ضحية الاستماع إلى فتاوى حاخامات قللوا من خطورة المرض،
بنفس الطريقة تحدث بها جهلاء في الإسلام والمسيحية.
علينا أن نصبر ونتحمل قليلا، ونضحي كثيرا؛ حتى لا يتفشى المرض كما
حدث في العديد من البلدان، البعيدة والقريبة. قد يسأل البعض: وهل من العدل أن تلوم
الناس البسطاء فقط؟!
أليس من المنطقي، أن تسأل أيضا: وما الذي يدفع الناس إلى رفض الذهاب
إلى المستشفيات والحجر والعزل الصحي؟ أليس هناك احتمال بأنهم يدركون أن الأوضاع
فيها أصعب وأسوأ؟!
سـؤالٌ يحتاج لنقاش موسَّع.
(الشروق المصرية)