لم تكن حركة حماس على درايةٍ مُسبقة بما سوف يُدلي به عبد الملك الحوثي زعيم ما تُسمّى جماعة أنصار الله في اليمن، حول استعداده التام لعملية تبادل أسرى من العيار الثقيل، مع المملكة العربية السعودية، حيث يُطلِق الحوثيون بموجبها سراح عدد من الأسرى السعوديين لديهم، من بينهم طيّار وعدد من الضباط والجنود، مقابل أن
تفرج السعودية عن معتقلي حركة حماس لديها، وفي مقدمتهم مسؤول الحركة في المملكة محمد الخضري الذي بلغ من العمر عتيّاً، والذي تحتجزه السلطات السعودية مع عدد من مناصري حركة حماس، بذريعة دعم الإرهاب..
حماس التي لم تترك باباً يوصلها إلى مرادها إلا وطرقته، رحّبت بهذه المبادرة، وقالت على لسان القيادي فيها محمود الزهار إن هذه المبادرة هي مبادرة ذاتية، وبأنّ الحركة لم تنسّق مع الحوثيين حول هذه الخطوة لا سراً ولا علناً..
نقاطٌ عديدة لا بد من الإشارة إليها في هذا الصدد:
أولاً: لماذا يجب على حركة حماس أن تنتظر الحوثيين كي يتسلّموا زمام المبادرة في هذه القضية؟! وهل خلت الساحة العربية من المناصرين للقضية الفلسطينية حتى يصبح عبدالملك الحوثي هو من يسعى إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون المملكة العربية السعودية؟!
في أكثر من مناسبة أعلن مسؤولو حركة حماس أنّ الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مع السعوديين جارية على قدمٍ وساق، ولكنّ السلطات السعودية لم تستحب لكل هذه النداءات، وبالتالي يطرح السؤال التالي نفسه، ماذا لو استجابت السلطات السعودية لهذه المبادرة، وأطلقت سراح الأسرى الفلسطينيين؟! عندها سوف تثبت المملكة أنّ سياسة لَيّ الذراع التي استخدمها الحوثيون هي التي أفضت إلى نتائج إيجابية، في حين لم تفلح كل محاولات الاستجداء التي انتهجتها حركة حماس طوال الشهور الماضية.
أمّا في حال لم تستجب السلطات السعودية لهذه المبادرة، فسوف تبقى هناك مؤشرات تدل على تخلي أطراف عديدة في هذا الإقليم عن القضية الفلسطينية، ولهذا تُرِك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام
الحوثي كي يحلّ ويربط في قضيّتنا المركزية..
ثانياً: هذه المبادرة ربما تُحرِج حركة حماس مرةً أخرى، وتُثبِت انخراطها في المشروع الإيراني الذي تنتمي إليه حركة أنصار الله في اليمن، لا سيما أنّ الحركة ما تزال تعاني حتى اليوم من هجمةٍ شرسة وغير مسبوقة، بعد مشاركة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في جنازة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قتلته القوات الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد، ووَصْفِه بشهيد القدس، الأمر الذي أحدث استياءً كبيراً وغضباً عارماً على الحركة، خاصةً من طرف المعارضة السورية التي ما تزال حتى اليوم تخوض معاركها مع الحرس الثوري والقوات الحليفة لإيران في سوريا.
واليوم تقع الحركة ربما في الفخ ذاته، وذلك بعد ترحيبها بمبادرة الحوثيين، وتعبيرها عن الامتنان الوفير لزعيم الحوثيين بسبب اهتمامه بقضية الأسرى الفلسطينيين في السجون السعودية، وبالتالي سوف تجد الحركة نفسها في ذات الزوبعة، ولن تتمكن هذه المرة من دحض الاتهامات، لأنّ المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين..
لكنْ وفي الطرف المقابل، كيف نطلب من حركة حماس أن ترفض هذه المبادرة، وتُبقِي على أسراها في السجون، وذلك بعد تخلي العديد من الأنظمة العربية عن قضية فلسطين، وجنوحها إلى التطبيع مع دولة الاحتلال؟! فالمنتقدون للحركة اليوم عليهم أن يقدّموا البدائل لها، كي تتخلى عن الدعم الإيراني، لا أن يطالبوا الحركة بفك ارتباطها مع إيران والحركات الموالية لها، في ظل هذا الوضع الصعب الذي تحياه الحركة في هذه الأوقات العصيبة..
ثالثاً: هذه المبادرة سواء استجابت لها السلطات السعودية أم لم تستجب، تُثبِت تنامي القدرة العسكرية للحوثيين، وازدياد نفوذهم العسكري والسياسي هناك، وإلّا كيف يخرج عبد الملك الحوثي ليخاطب المملكة العربية السعودية، بشكل مباشر وكأنها ندٌّ له، أو كأنه يخاطب مثيلاً له في القدرة والنفوذ والسياسة؟! وماذا عن الرتب العسكرية والصفات الضخمة التي ذكرها الحوثي، والتي تعود إلى الأسرى السعوديين لديه؟!
فإذا كان الحوثيون يحتجزون طيارين سعوديين وضباطاً وجنوداً، في حين تعتبر السعودية نفسها رائدة العالم الإسلامي، فمن حق الحوثي عندها أن يتدخل في قضايا المنطقة، لا سيما القضية الفلسطينية، التي تعتبر قضية العرب الأولى..
فمن الذي منح الحوثيين كل هذه الصلاحيات، ومن الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة لنراهم يفاوضون دولة بحجم السعودية، ويتدخلون في قضية بحجم القضية الفلسطينية؟!
وبناءً على ذلك، فإنّ النقد وقبل أن يوجَّه إلى حركة حماس، لِمُحاباتها الحوثيين وإيران، يجب أن يوجه إلى كل من أجبر حماس وغير حماس على الاستعانة بإيران وحلفائها في المنطقة..