هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما كان مفاجئا أن يعلن لبنان رسميا العجز عن سداد ديونه، ولم تفصله إلا ساعات عن إعلان إفلاسه، مطبقا حوله الحصار، في موسم أزمة كارثية وانهيار اقتصادي، برزت مظاهرها في هبوط كبير بمستوى العملة وشحتها، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، وخلو خزائن المصرف المركزي من ودائع الاحتياطي النقدي الأجنبي.
إفلاس الدولة يعني عدم قدرتها على الإيفاء بسداد ديونها في الآجال المستحقة، هذا هو الحال الذي ينتظر لبنان اليوم في ظل فساد هيكلها الإداري.
لبنان أعلن السبت عجزه عن سداد مدفوعات سندات دولارية قادمة، ولم يسعفه الوقت لإعادة هيكلة دين بالعملات الأجنبية بقيمة 31 مليار دولار في التوصل لاتفاق مع الدائنين يجنبه تخلفا فوضويا عن السداد.
الحل الذي يكمن في إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين، لم يعد ممكنا طالما يتطلب وقتا أطول من الفترة المتبقّية حتى استحقاق الدين.
تفاقمت الأزمة نتيجة سنوات من النمو المتباطئ، الذي جاء مترافقا مع عجز الدولة عن إنجاز إصلاحات بنيوية، حتى بلغ إجمالي الدين العام نحو 92 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.
وأولى النتائج المترتبة عن عدم تسديد هذه الديون، هي التخلي عن حماية مصالح المودعين وخروج لبنان من إطار الأسواق المالية العالمية، وفقدان علاقاته مع المصارف المراسلة وجُلَّها من الدائنين الخارجيّين.
اختار لبنان المتعثر عن التسديد الطلب من دائنيه، إعادة هيكلة ديونه أو مد وقت السداد في ساعات الوقت الضائع، وهو أمام تداعيات مؤلمة ستضرب اقتصاده بشكل فوري، وتخل بتصنيفه الائتماني.
وينتظر لبنان عقابا خارجيا على التعثر في السداد، حيث ستفرض أسواق رأس المال إما معدلات اقتراض عقابية أو رفض الإقراض مجددا، ثم تصدر وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن الاستثمار في هذه الدولة المتعثرة.
والإشكالية التي تعترض لبنان في الخروج من أزمته الخانقة، هي أن الاندفاع نحو تسوية الديون أو إعادة هيكلتها بين الحكومات المتعثرة والدائنين، لو تمت افتراضا في الظرف المتبقي القصير، فإنها ستتم في ظل غياب قوانين دولية تنظم هذا الأمر، والتفاوض بشأنها يكون مكلفا ومرهقا لجميع الأطراف قبل التوصل إلى اتفاق مرض.
لكن في ظل مأساة تهدد بلدا طالما عانى من ويلات الحروب، والتدخل الإقليمي البغيض، يفرض السؤال نفسه :
كيف أفلست دولة لبنان ولديها إيرادات بالنقد الأجنبي تأتيها من قطاعات اقتصادية: “مساعدات مالية وسياحة وصادرات وتحويلات العاملين بالخارج ومصادر أخرى سيادية مثل الضرائب والجمارك، أو الإيرادات الناتجة من إدارة أصول الدولة، وسداد مواطنيها فواتير النفع العام من مياه وكهرباء واتصالات”؟؟
الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده لبنان، الخاضع رغما عنه لتدخلات إقليمية انتزعت سيادته، لم يكن له الخيار في مواجهة التحديات والأزمات التي فرضت عليه.
عن صحيفة "الشروق" الجزائرية