هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كثيرة هي أحداث هذا الأسبوع،
فمن فيروس كورونا والأثر السياسي والاقتصادي والإنساني الذي يعم العالم بسببه، إلى
الصراع التركي السوري والعملية العسكرية التركية إلى موت الرئيس السابق حسني مبارك.
سأتناول في هذا المقال موت
الرئيس المصري. فالرئيس السابق حسني مبارك لم يكن رئيسا عاديا، فقد حكم مصر منذ
1981 حتى لحظة تنازله عن الحكم بسبب ثورة يناير 2011. لم يترك مبارك الحكم إلا بعد
أن تظاهر ملايين المصريين مطالبين بالتغير. ففي دول جمهورية لا تعتمد على التداول
على السلطة لا يوجد طريقة لتغير السلطة إلا بالانقلابات أو بالثورات أو بالاغتيال
(السادات).
ويسجل التاريخ أن الشعب المصري ثار في 2011
على واقع سياسي واقتصادي أفاد بصورة خاصة النخب الاقتصادية والسياسية العليا. لقد
وعد الرئيس السابق حسني مبارك بالإصلاح لكه لم ينفذه، وسلم البلاد لمجموعة من
رجالات الحزب الوطني ورجال الأعمال دون أن يفيد ذلك الطبقات الشعبية والوسطى مما
أدى للتراجع في كافة مؤشرات التنمية والعمل والصحة. لقد خلق هذا الوضع ردود فعل
كبرى على النظام السياسي برمته. مفاجأة يناير 2011 غيرت كل شيء، تلك الثورة طرحت
كل الأسئلة حول عهد الرئيس مبارك، وهي لن تمحى من الذاكرة، بل سيتواصل ذلك التاريخ
مع تواريخ المستقبل. فكل قضية من قضايا 25 يناير احتوت على جانب رئيسي من قصة
الحرية والعيش والعمل والكرامة الإنسانية في مصر.
لكن الثورة على الرئيس مبارك كانت ثورة ضد
التوريث، بغض النظر إن كان الرئيس يريد فعلا أن يورث أم أن قوى عديدة محيطة بالحزب
الوطني تجمعت مصالحها لإنجاز ذلك التوريث. فلا يوجد في تاريخ نظام مبارك منذ 2000
ما ينفي أن الظروف والأوضاع المحيطة بالرئاسة فتحت بابا للتوريث. وهذا بحد ذاته
أغضب قوى شعبية عديدة لكنه أيضا أغضب الجيش الذي لم يكن مع التوريث.
بالطبع لم يكن الرئيس مبارك أسوأ الحكام
بالمقاييس العربية، فعند مقارنته بصدام حسين مثلا أو ببشار الأسد سنكتشف حالة
مختلفة هي المسافة بين طبيعة النظام في مصر والنظام في سوريا أو العراق، لكن عند
مقارنة واقع مصر وقيادة مبارك بقادة دول كثيرة في العالم من الطبيعي أن نفهم ردة
فعل المصريين في 25 يناير التي حملته مسؤولية تدهور وضع مصر. إن ما هو قائم اليوم
في مصر يعود لمرحلة الرئيس مبارك، فهو الذي بنى السجون في ظل غياب الضمانات، وهو
الذي غرقت العبارات وضعفت الرقابة في عهده كما وقعت في عهده حادثة خالد سعيد التي
شحنت المصريين باتجاه الانفجار الأكبر.
لقد رسخ الرئيس السابق مبارك
أسلوبا في الحكم جمع بين الانغلاق السياسي و الانفتاح النسبي على تنوع وتعدد
الآراء. كان شعار النظام «قولوا ما تريدون لكن سنفعل ما نريد». هكذا انبثق نظام
سمح بدرجات من التعبير. لهذا عرفت مصر في تلك الفترة ظاهرة سياسية مثل كفاية في ظل
بروز قادة مثل البرادعي وأيمن نور. التنوع في القيادات المعارضة أعطى الإطار العام
المنظم لثورة يناير السلمية.
منذ تلك الثورة اختفى مبارك
عن المشهد، لكن مصر ستمر بتعرجات عديدة بين 2011 و 2020. لا يمكن القول بأن
الانفتاح الشكلي الذي ساد عهد مبارك مازال قائما، فاليوم يجرم العمل السياسي في
مصر، ويختفي الأشخاص لدواع أمنية في أي وقت وكل وقت، والقادة المعارضون في السجون
أو في المنافي. وما كان مسموحا به في مصر في 2010 لم يعد مسموحا به في 2020، والإجراءات
والطوارئ في تلك الفترة تضاعفت وأصبحت اليوم حالة طوارئ يتحكم بها الجيش، ففي عهد
مبارك لم يكن حكم الجيش ظاهرا بينما أصبح الآن في المقدمة. لقد استبدل نظام الرئيس
السيسي حكم مبارك الشبه مدني بحكم الجيش.
ومن الصعب أن تكون مصر قادرة
على الاستقرار في ظل قبضة أمنية بهذه الدرجة من الحدة. فكل نظام من هذا النمط
يواجه تحديات جمة بسبب المركزية والعسكرية، وهذا يعني ستواجه مصر مزيدا من
الصعوبات في التعامل مع الأوضاع المحلية والإقليمية. جنازة الرئيس المنتخب مرسي
اختلفت كثيرا عن جنازة الرئيس مبارك غير المنتخب، بل إن جنازة الرئيس المنتخب الذي
مات في سجنه وأثناء محاكمته أوضحت مدى الخوف الرسمي من الرئيس السابق مرسي حتى بعد
وفاته.
من جهة أخرى نجد أن جنازة الرئيس مبارك محاولة
من قبل النظام للانتهاء من قصة 25 يناير وآثارها. لكن هذا ليس ممكنا لأن المشكلات
التي برزت في عهد الرئيس حسني مبارك وأدت لثورة يناير 2011 ما زالت تتفاعل في قاع
المجتمع المصري في 2020. ما زالت التحديات التي أثرت في الثورة المصرية هي نفسها وما
زالت القيم التي حركت الناس هي نفسها، وما زال المستقبل معلقا في مصر بين السماء
والأرض.
صحيفة "القدس العربي"