هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت التفاهمات التي جرى الحديث عنها خلال
اليومين الماضيين، بين الشق المدني من الحكومة الانتقالية السودانية، والحركات
المسلحة، بشأن تسليم الرئيس السابق عمر البشير، إلى محكمة الجنايات الدولية،
تساؤلات حول مدى واقعية هذا الطرح، بوجود تشعبات لهذه القضية ترتبط بعدد من القائمين
على الحكم الآن.
ونقلت شبكة "سي أن أن" الأمريكية،
عن المتحدث باسم وفد التفاوض للحكومة السودانية محمد الحسن التعايشي، قوله: إن
تسليم البشير "جزء من الاتفاق المبرم بين الحكومة وحركات التمرد، وسيتم
تسليم مجموعة من المطلوبين لمحكمة لاهاي".
وفي أول رد فعل
له، قال محامي الرئيس السوداني السابق عمر البشير لرويترز، إن موكله يرفض التعامل مع
المحكمة الجنائية الدولية ويصفها بأنها "محكمة سياسية".
وأصدرت المحكمة الجنائية أمرين باعتقال
البشير، عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية
بدارفور، فيما ينفي الرئيس المعزول صحة الاتهامات، ويتهم المحكمة بأنها مُسيسة.
وتتهم المحكمة الجنائية أيضا، وزير الدفاع
السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووالي جنوب كردفان الأسبق، أحمد هارون، والزعيم
القبلي، قائد إحدى المليشيات في دارفور، علي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
في دارفور.
اقرأ أيضا: 4 قرارات حكومية عاجلة لاحتواء أزمة الخبز والوقود بالسودان
المحلل السياسي أحمد عثمان، قال: إن مسألة
تسليم البشير تعتمد على شقين، "الأول من ناحية الشارع، وهو بأكثريته ليس مع
الفكرة ولا حتى مع تسليم أي سوداني، إلى المحكمة الدولية، رغم تشجع الكثير لهذا
الأمر عند اندلاع الثورة، لكن الآن اختلف الوضع".
وأوضح عثمان لـ"عربي21"، أن بعض
المناطق التي تأثرت بمسألة ما يقال عن الإبادة الجماعية في دارفور وكردفان وغيرها،
ومنها الحركات المسلحة تقف وراء الدفع بطلب التسليم للجنائية الدولية.
ورأى أن الحديث عن تسليم البشير "فرصة
لتلك الحركات، لزيادة رصيدها أمام جماهيرها في تلك المناطق، وهي لعبة سياسية
بالدرجة الأولى لتقوية نفسها في المرحلة المقبلة، التي ستشهد تشكيل أحزاب سياسية
ومشاركة أحزاب".
أما الشق الثاني فقال عثمان: "وصلتنا
تسريبات أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قال في جلسة خاصة،
إنه "لن يكون هناك تسليم للبشير". مشددا على أن الأمر لا يعدو أكثر من
تجاذبات سياسية بين العسكريين والمدنيين.
وأعرب عن اعتقاده أن الحديث عن تسليم البشير
والتفاهم بين الشق المدني من الحكومة، والحركات المسلحة، "سيكون القشة التي
تقصم ظهر البعير، وتفجير العملية الانتقالية بالكامل، وكل المحادثات التي
تجري".
وقال إن القضاء "خارج حسابات العسكر
والمدنيين"، مدللا على ذلك "بإصداره أحكاما بالإعدام، بحق قرابة 20
عنصرا من المخابرات في قضية تعذيب معلم وقتله خلال الثورة".
وفي السياق ذاته قال إن عبد الفتاح البرهان،
كان قائد المنطقة العسكرية بدارفور إبان الصراع مع الجماعات المسلحة، وغيره من
الضباط الكبار، وتسليم البشير بالتأكيد سيفتح ملفات مغلقة على الجميع، مستبعدا أن
يوافق المجلس العسكري عليه.
وبشأن قبول المحيطين بالسودان في الإقليم،
بفكرة تسليم البشير، قال عثمان: "التسليم من عدمه، مسألة داخلية، والجوار لا
يملك التأثير على الخرطوم لمنعها من هكذا خطوة إن أقدمت عليها".
بدوره قال الباحث والناشط السياسي الدكتور
لؤي المستشار: إن الدول الأفريقية وقعت ضد قرارات الجنائية الدولية، منذ البداية
"باعتبارها مسيسة وتستهدف الزعامات الأفريقية، وليس الأوروبيين، خاصة أن أكبر
قوة عالمية لم توقع على مذكرتها".
اقرأ أيضا: السودان ستسلم البشير لـ"الجنائية" ضمن اتفاق مع حركات التمرد
وبشأن رأي الإقليم في تسليم البشير للجنائية،
وارتباطاتهم، بالقضايا الملاحق على أساسها البشير، أوضح المستشار
لـ"عربي21"، أن "الحكام العرب لديهم مشاكلهم مع شعوبهم، ولا
ديمقراطية لديهم ولديهم مخاوف من جرهم جميعا إلى المحاكم الدولية، لذلك سيقفوا
بوجه أي محاولة سودانية لتسليم البشير، خوفا على أنفسهم".
وأضاف: "ممارستهم الضغوط لمنع هذا
الأمر، إن تم، منطقي ومفهوم".
وعلى صعيد المزاج الشعبي، لفت إلى أن "الشعب
شهد تقلبات بالمسألة، وإبان اتهام البشير للمرة الأولى، خرج الشعب إلى الشوارع
رفضا للفكرة باعتبار، زعماء كثر ارتكبوا جرائم ولم يحاسبوا خاصة كيان الاحتلال
الصهيوني، وباعتبار المحكمة مفهوما إمبرياليا".
لكنه أشار إلى أن الشارع "انقسم بعد
ثورة 18 كانون أول/ديسمبر 2019، بين مؤيد ومعارض، كذلك الجانب العسكري يميل لبعضه
ويرون الأمر هزيمة لهم، والبشير كان مشيرا، وهي رتبة لا يصلها إلا القلائل، بينما
خصوم البشير الحزبيين يرونها فرصة للتخلص منه ومن نظامه بالكامل".
وشدد على أننا اليوم "أمام سوق
للتجاذبات، والقضاء من جانبه يرى نفسه مؤهلا لمحاكمة البشير، بفعل أنه متحرر أكثر
الآن من الإملاءات رغم الاتهامات الموجهة إليه، بعدم الاستقلالية".