مقالات مختارة

من خلال سعيها لتمزيقنا قد تؤدي صفقة ترامب إلى توحيد الفلسطينيين

جمال زحالقة
1300x600
1300x600

تتعامل الخطة الأمريكية مع البشر كما لو كانوا أحجار شطرنج، بحيث تتمكن إسرائيل من منح أو سحب الجنسية حسب مزاجها.

إن أهم مواصفات "صفقة القرن" الأمريكية الإسرائيلية هي أنها شاملة، تضع إستراتيجية لتحديد كل جانب من جوانب مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني.

إنها تسقط حق اللاجئين في العودة، وتؤكد ضم القدس، وتمكن إسرائيل من الاستيلاء على مساحات شاسعة إضافية من الضفة الغربية، بما يفتت المناطق الفلسطينية أكثر فأكثر، والتي يقال إنها ستوصل بقطاع غزة عبر نفق.

من المفارقات أنه في الوقت الذي قد تعتبر فيه هذه الصفقة وصفة لتمزيق الشعب الفلسطيني وتشتيت شمله، إلا أنها يمكنها كذلك أن توحده في موقف يضطر من خلاله إلى مواجهة مصير بائس. ينبغي على الفلسطينيين أن يواجهوا ذلك كشعب واحد موحد، بغض النظر عن اختلاف ظروفهم. فكلما أريد تمزيق فلسطين كلما قويت الحاجة إلى الوحدة.

مشروع استعماري وعنصري

يقصد من الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية قطع الطريق على أي بديل، بما في ذلك "دولة لكل مواطنيها"، بموجب ما ينص عليه مشروع حزب بلد. تقوم صفقة القرن بشكل مطلق على المبادئ المتضمنة في قانون الدولة القومية الجديد الذي تم تشريعه في إسرائيل، والذي يؤكد على أن حق تقرير المصير في البلد إنما هو حق حصري للشعب اليهودي، الأمر الذي يؤكد على الطبيعة الاستعمارية والعنصرية للمشروع الصهيوني.

عندما يتم عرض موضوع الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ضمن إطار تسوية سياسية، فإن ذلك يضفي مشروعية دولية على التمييز العنصري ضد المواطنين العرب في إسرائيل، بما يصاحب ذلك من تداعيات سلبية على الأرض والسكن والمواطنة والتعليم والثقافة والعمل والتنمية والاقتصاد والحقوق السياسية والاجتماعية. بل تهدف الخطة الأمريكية الإسرائيلية إلى مسح الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني.

ومن خلال شطب حق العودة، تمس الصفقة الأمريكية الإسرائيلية بحقوق ملايين اللاجئين، بما في ذلك مئات الآلاف ممن يعيشون داخل إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية. يعيش هؤلاء اليوم في التجمعات السكانية العربية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ويطالبون بحق عودتهم إلى البلدان والقرى التي أخرجوا منها عنوة قبل ما يقرب من سبعة عقود.

ترفض إسرائيل بقوة هذه الفكرة، وذلك على الرغم من أن عودة اللاجئين لن يؤثر في التوازن السكاني في البلاد. يشير ذلك إلى أن إسرائيل ليست مدفوعة بالاعتبارات الديمغرافية بقدر ما هي مدفوعة بالاعتبارات الجغرافية، وذلك ضمن سعيها لأن تتحول حصريا إلى دولة لليهود دون غيرهم.

التطهير العرقي

تدعو صفقة القرن إلى التطهير العرقي تحت راية تبادل الأراضي، وذلك أن نقل السكان من شأنه أن يوسع وجود المستوطنين ويزيل من إسرائيل وجود المواطنين العرب، حيث تنص على ما يلي: "يتضمن تبادل الأراضي الذي تعرضه دولة إسرائيل المناطق المأهولة وغير المأهولة على حد سواء ... وضمن هذه الرؤية، ثمة إمكانية، شريطة اتفاق الأطراف، لإعادة رسم حدود إسرائيل بحيث تصبح مجتمعات المثلث (الفلسطينية) جزءا من دولة فلسطين."

ولقد نمى إلى علمي أن نتنياهو نفسه هو الذي أضاف هذه المواد من خلال السفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان.

تهدف إسرائيل من خلال هذا النقل (الترانسفير) إلى تحقيق انتصار مزدوج: كسب المشروعية لتجمعاتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة وتخليص نفسها من كتلة ضخمة من العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل. من شأن عملية التطهير العرقي المتجددة هذه أن تعزز الأغلبية اليهودية في إسرائيل وتوهن المجتمع العربي الفلسطيني في نفس الوقت.

يتطلب تطبيق هذه الخطة اتفاقا بين الجانبين، إلا أن القيادة الفلسطينية ترفضها رفضا قاطعا، وكذا هو حال الناس في منطقة المثلث وكذا هو موقف القوى السياسية الفلسطينية داخل إسرائيل. ثمة مخاطر مباشرة وآنية، يأتي في مقدمتها وضع علامة استفهام كبيرة على مواطنة ما يقرب من ثلاثمائة ألف فلسطيني يعيشون داخل منطقة المثلث.

مجرد فكرة النقل يمكن لها أن تنتج سياسات وممارسات إسرائيلية أسوأ بكثير مما عليه الوضع الحالي. سوف ينظر إلى منطقة المثلث على أنها مهددة بالزوال، ناهيك عن المخاطر المتعلقة بالتنمية والعمل والاستثمار. تقترح "صفقة القرن" تحويل سكان المثلث من مواطنين من الدرجة الثانية إلى مواطني دولة من الدرجة الثانية.

التواطؤ الدولي

تتعامل صفقة القرن مع البشر كما لو كانوا أحجار شطرنج، بحيث تتمكن إسرائيل من فرض أو نزع الجنسية عنهم كما تريد، وبتر وشائج الصلة بين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل. من الطبيعي أن يبادر أعضاء أي مجتمع بشري إلى معارضة محاولات إضعافهم.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2017، كنت واحدا من أعضاء بعثة للقائمة الموحدة تزور الاتحاد الأوروبي، وهناك التقينا بالمسؤولين من الدول الأعضاء وحرصنا على حثهم على معارضة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وتحدي المشاريع التي تهدف إلى تجريد سكان منطقة المثلث من حق المواطنة.

قيل لنا حينها إن أوروبا ستقف في موقف المعارضة من ذلك رغم أنهم لم يعرض عليهم بعد شيء محدد. والآن، ها قد تم الإعلان عن خطة ترامب التي تتضمن هذه المقترحات وغيرها، وتبين أن كل ما فيها من تفاصيل يتناقض مع القانون الدولي ومع قرارات الأمم المتحدة. ينبغي إذن اعتبار أي صمت من قبل المجتمع الدولي عملا متواطئا مع السعي لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم.

إن الإجراء الأهم الذي ينبغي اتخاذه الآن من قبل من يرغبون في العدالة والسلام هو الوقوف ضد "صفقة القرن" والتي تقوم أساسا على انتهاك حقوق الإنسان وصممت لقطع الطريق على السلام. من المؤلم والمؤسف أن نجد أنفسنا مضطرين لتذكير العالم بأن الفلسطينيين لهم حقوق مثلهم في ذلك مثل بقية البشر، وتبرز في هذا النطاق بالذات قضية مواطني إسرائيل من الفلسطينيين.

القتال من أجل حقوقنا

إن هذه الخطوة التي تستهدف مواطني إسرائيل من الفلسطينيين ضمن إطار خطة سياسية عامة تسلط الضوء على حاجة الفلسطينيين لتوحيد صفوفهم في مواجهة هذه الصفقة وللقتال من أجل حقوقنا التاريخية بشكل شامل.

ينبغي أن يكون هدفنا الأول والأهم هو إنجاز الوحدة في النضال من أجل الشعب الفلسطيني حيث يتواجد الفلسطينيون: في داخل الوطن، في الشتات، في القدس، في الضفة الغربية، في قطاع غزة، في الجليل، في المثلث، في النقب، وفي كل مكان آخر.

تستهدف "صفقة القرن" الشعب الفلسطيني بأسره، وينبغي أن يحفز ذلك على تحرك شامل وموحد لتقرير مصير ومستقبل عادل للقضية الفلسطينية.

إن الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل جزء مهم من هذا الحراك، وذلك بسبب ما يواجهونه بشكل عام وبسبب ما سيتعرضون له نتيجة لهذه الصفقة تحديدا، وكذلك بفضل تجربتهم في تحدي نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

 

(ميدل إيست آي)

0
التعليقات (0)