هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد وقت قصير من متابعة كلمة الرئيس عباس أمام مجلس وزراء خارجية الدول العربية، شعرت وكأنه يعلق على بعض مواقف الدول العربية إزاء ما تسمى «صفقة القرن»، وكنت قد لاحظت أن هذه المواقف تضمنت ثلاثة «مبادئ»؛ تقدير جهود أمريكا، والدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وثالثا، هذه المفاوضات ينبغي أن تعقد تحت الرعاية الأمريكية. كما لاحظت من خلال صياغة هذه المواقف، وكأنها قد صدرت من جهة واحدة نظرا لتماثلها الغريب، من هنا كان ما اعتبره تصديا من قبل الرئيس عباس لهذه المواقف، وذلك عندما تضمنت كلمته، بشكل غير مباشر، ردا على هذه «المبادئ».
فقد رد الرئيس على مقولة: تقدير جهود أمريكا، بسرد تاريخ موثق من جهد أمريكي متصل، منذ وعد بلفور، للتآمر على قضية الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن أمريكا لم تكن على علم بما يجري من مفاوضات أدت إلى التوقيع على اتفاق أوسلو، وإلا لأفشلته، وسرد الرئيس جملة من المواقف الأمريكية التي تشير إلى أن جهود أمريكا كانت منصبّة على تقويض أي جهد باتجاه التوصل إلى حل عادل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مستثنيا موقف إدارة أوباما لدى توصل مجلس الأمن الدولي إلى القرار 2334 عندما صاغت أمريكا وبريطانيا هذا القرار، ولم تستخدم الأولى حق النقض ما أفسح المجال لصدوره في سابقة هي الأولى في تاريخ تصويت أمريكا في مجلس الأمن إزاء القضية الفلسطينية.
في ظل إدارة ترامب، تم اتخاذ خطوات سياسية أمريكية تتعارض مع وعودها خلال عدد من الاجتماعات بين الرئيسين عباس وترامب، ما أدى إلى وقف السلطة الوطنية لعلاقاتها كافة مع الولايات المتحدة باستثناء وكالة المخابرات المركزية، في سياق الحملة الدولية ضد الإرهاب، فهل هذا التاريخ الموثق لموقف أمريكا يبرر موقف بعض العرب بتقدير جهود أمريكا إزاء هذا الملف؟!
عقدت فلسطين مع إسرائيل مفاوضات مباشرة، في عهدي رابين وأولمرت، وتم التوصل إلى تفاهمات جدية قريبة من اتفاق نهائي، إلا أن الأول تم اغتياله والثاني تم سجنه (!) وبعد وصول نتنياهو وخلال ثلاث ولايات من حكوماته، لم تجر أي عملية تفاوض لأنه لا يريد السلام، كونه غير مقتنع بعملية السلام، وبعد ذلك يدعو بعض العرب إلى مفاوضات ثنائية مباشرة ترفضها إدارة نتنياهو، لأنه لا يمكن والحال هذه، يقول الرئيس عباس ضمنا، عقد أي مفاوضات برعاية أمريكية، وإذا كان بعض العرب يتساءلون ويدعون، حول عدم وجود بديل لهذه الصفقة، فإن للعرب مبادرتهم التي أجمعوا عليها العام 2002، باعتبارها الحد الأدنى، وهي المبادرة التي تضمنتها مبادرة الرئيس عباس التي تقدم بها إلى الأمم المتحدة في شباط 2018، على أساس مؤتمر دولي وبرعاية من «الرباعية الدولية»، بديلا عن التفرد الأمريكي المرفوض.
على إسرائيل أن تتحمل مسؤولياتها كقوة احتلال على الأرض الفلسطينية بعد أن تحررت فلسطين من التزاماتها بموجب اتفاق أوسلو عندما تبنت خطة ترامب، بما في ذلك الالتزامات الأمنية والتنسيق الأمني، هذه هي أهم الخطوات التاريخية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية إزاء مواجهة هذه الصفقة، وعندما يتبنى بيان مجلس الجامعة العربية الرؤية الفلسطينية على صعيد مجابهة صفقة القرن كما ورد في نهاية اجتماعاته، فإنه بذلك يؤكد ما جاء في كلمة الرئيس عباس من أن الفلسطينيين لا يريدون من العرب الوقوف في وجه أمريكا، بقدر ما يريدون تبني الموقف الفلسطيني، وهذا ما حدث فعلا بنص البيان الذي يعتبر استجابة مباشرة لكلمة الرئيس وجهوده في توحيد كلمة العرب خلف القضية المركزية، بعدما توحدت الساحة الفلسطينية، خلف الرئيس في مواجهة كارثة الصفقة!
(الأيام الفلسطينية)