هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "سايكولوجي توداي"
الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن ثقافة عقلية الضحية وتأثيرها على صحة الإنسان.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن طريقة تفكيرنا في السياسة من شأنها أن تؤثر علينا بشكل لا
نتصوره. وبما أن الآراء السياسية لا تعتبر عادة عامل خطر مسبب للمرض، فإنه من
الطبيعي أن نتساءل عن الكيفية التي تؤثر بها المعتقدات المجردة حول الحكومة أو
الرعاية الصحية أو الهجرة على شيء ملموس مثل صحتنا الجسدية والعقلية. تتلخص
الإجابة عن هذه المسألة في ما يعرف باسم "وجهة الضبط".
وأوضحت المجلة أن الأشخاص ذوي وجهة الضبط
الخارجية، يميلون إلى تبني معتقدات سياسية معينة من شأنها أن تؤثر سلبًا على ما
يظنون أنه السبب الرئيسي للمشاكل الصحية والطرف المسؤول عن حلها والتعامل معها.
وقد عمل الدكتور هانز سيلي لعقود على دراسات الضغط النفسي لإظهار العلاقة بين
الإجهاد العاطفي والمرض البدني.
بعد وفاة الدكتور سيلي في سنة 1982، اتسع نطاق
التعبير عن تفكير الضحايا والمخاوف المتعلّقة بها بشكل كبير. وفي كتابهما الصادر
سنة 2018 بعنوان "صعود ثقافة الضحية"، درس عالما الاجتماع برادلي كامبل
وجيسون مانينج مفهوم "ثقافة الضحية". وحسب هذين المؤلفين تتميّز
"ثقافة الضحية بالقلق إزاء المكانة والاعتماد الشديد على الآخرين".
وتعدّ هذه الصفات الإنسانية عالمية ولا تقتصر فقط على "الضحية".
ونوّهت المجلة بأن خطر "ثقافة
الضحية" يكمن في تحميل الآخرين مسؤولية تصحيح المشاكل المحتملة بدلاً من
تحمّل الفرد لمسؤوليتها. ماذا يعني هذا بالنسبة للصحة؟ وفقًا لنظرية وجهة الضبط،
فإن الأفراد ذوي وجهة ضبط "خارجية" من المرجح أن يعزو نتائجهم الشخصية
إلى الصدفة وإلى الآخرين مثل الآباء أو الأطباء. نتيجة لذلك، فإن وجهة الضبط التي
نعتمدها بوعي أو عن غير وعي لها آثار واضحة على صحتنا.
اقرأ أيضا: دراسة: أمراض اللثة تفاقم خطر الإصابة بالخرف
فعلى سبيل المثال، لا يضع العديد من الأميركيين
أهدافا أو يصنعون قرارات في السنة الجديد لمعالجة مخاوفهم الصحية لأنهم يعتقدون أن
"شيئًا ما سيحدث لهم دومًا لإفساد مخططاتهم، فلماذا يكلفون أنفسهم عناء
ذلك؟". كما تؤدي وجهة الضبط الخارجية إلى جعلهم يعتقدون أنهم ضحايا، حيث قد
يلقي آخرون باللوم على جيناتهم أو صناعة الوجبات السريعة لزيادة وزنهم، أو يعتقدون
أن سنّهم ودخلهم هو ما يمنعهم من ممارسة الرياضة.
وبيّنت المجلة أن إضفاء مؤثرات خارجية على
المشاكل والحلول يتعارض مع الأفراد الذين يتمتعون بوجهة ضبط داخلية. يتلخص شعار
الشخص ذي وجهة ضبط داخلية في أنه "إذا كان الأمر كذلك، فإن الأمر متروك
لي!" بعبارة أخرى، تعتبر هذه المجموعة من الأشخاص نفسها مسؤولة بشكل أساسي عن
صحتها والنتائج المرجوة الأخرى.
تدعم أفضل الأبحاث حول هذا الموضوع وجود ارتباط
قوي بين وجهة الضبط لدينا والقرارات المتعلقة بالصحة التي نتخذها كل يوم. ونظرًا
لأن عقلية الضحية تعمل على فرض السيطرة الخارجية على النتائج، فإن الصعود الأخير
لثقافة الضحية في الولايات المتحدة يمكن أن يؤثر على عوامل تكون خارج نطاق
السياسة، مثل الصحة، وذلك من خلال تقليلنا من الأهمية المتصورة للخيارات السلوكية
الفردية وتعزيز الاعتماد المفرط على الأطباء والأدوية، وسياسات الرعاية الصحية.
وأوضحت المجلة أن بعض البيانات تشير إلى أن هذا
التأثير الصحي السلبي يحدث بالفعل. فعلى سبيل المثال، تُظهر بيانات الرصد أنه خلال
العقود الأخيرة برزت "ثقافة الضحية" باعتبارها قضية مهمة في الولايات
المتحدة، حيث ارتفعت معدلات الحالات المدفوعة سلوكيا مثل السمنة ومرض السكري.
ولعل
الحجة الأقوى تتمثل في ما يسمى "موت اليأس" الذي تضاعف بشكل كبير منذ
التسعينات. وقد كانت معظم حالات الوفيات الناجمة عن اليأس ناتجة عن الانتحار
والمخدرات والكحول، والتي تعزى إلى الشعور بدور الضحية أو فقدان السيطرة الذي أصبح
منتشرا في السنوات الأخيرة.
من المرجح أن لا يوافق الأشخاص ذوي التفكير
المنطقي على تفسير هذه العلاقات وأشكال العلاج المطلوبة إن وجدت. لكن فهمنا الحالي
"لثقافة الضحية" قد يكون كافيًا بالفعل، بالنسبة للبعض، لإثارة المخاوف
بشأن التأثيرات المحتملة التي قد تخلفها هذه العقلية على صحتهم البدنية والعقلية.
وأشارت المجلة إلى أننا لحسن الحظ، لسنا بحاجة
إلى أن نكون سياسيين أو علماء لاستخدام هذه المعلومات لتحقيق مصلحتنا الشخصية. ومع
ذلك، يتعيّن علينا في المقام الأول تعزيز وعينا بشأن أنماط تفكيرنا الشائعة حول
"ثقافة الضحية" التي يمكن أن تجعلنا مستضعفين. وينبغي أن نمارس بوعي
عادات التفكير التي تعزز سيطرتنا المتصورة على صحتنا الشخصية وازدهارنا بدلاً من
عادات التفكير التي تضع هذه الفضائل بين أيدي الآخرين.