هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بشكل مفاجئ، أعلنت الرئاسة الجزائرية تشكيل لجنة خبراء لتعديل الدستور مع تزويدها بالمحاور الكبرى لعملها، في قرار اعتبره سياسيون متسرعا كان يفترض أن يسبقه حوار وطني شامل.
لم يتأخر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، كثيرا، في إنفاذ أولى وعوده الانتخابية، بإجراء تعديل معمق للدستور، إذ لم يمض شهر على وصوله للرئاسة، حتى أعلن عن خطته لإجراء هذا التعديل وبعض ملامح ما سيتضمنه.
وبحسب الرئاسة الجزائرية، فإن هذا التعديل المعمق للدستور، يهدف لـ"تسهيل بروز أنماط حوكمة جديدة وإقامة ركائز الجزائر الجديدة"، حيث تم تحديد 8 محاور تتصل بالحقوق والحريات ونظام الحكم للمُراجعة.
وسيكون عمل اللجنة، وفق خطاب تكليفها، منصبا على "تحليل وتقييم كل جوانب تنظيم وسير مؤسسات الدولة"، على أن تقدم إلى رئيس الجمهورية مقترحات وتوصيات بغرض "تدعيم النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول على السلطة، وصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة وضمان الفصل الفعلي بين السلطات وتوازن أفضل بينها، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية، وإعادة الاعتبار للبرلمان خاصة في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة".
وسيكون على اللجنة تسليم خلاصة أعمالها المتمثلة في تقرير ومشروع قانون دستوري، في أجل أقصاه ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ تنصيبها.
ثم عقب ذلك، سيعرض مشروع تعديل الدستور على الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني للمناقشة والإثراء، قبل إحالته إلى البرلمان للمصادقة، ثم طرحه على الاستفتاء شعبي.
اقرأ أيضا : رئيس الجزائر يشكل لجنة لتعديل الدستور مع استمرار الاحتجاجات
وأُسندت رئاسة هذه اللجنة إلى أحمد لعرابة البروفيسور في القانون العام الدولي وعضو لجنة القانون الدولي في منظمة الأمم المتحدة فيما تم تعيين وليد عقون مقررا عاما لها.
والملاحظ أن تشكيلة اللجنة تتكون من أساتذة جامعيين في القانون الدستوري روعي اختيارهم من جامعات تمثل مختلف المناطق الجزائرية.
"على طريقة بوتفليقة"
واستقبل تعيين هذه اللجنة بتوجس في الساحة السياسية، كون هذا الأسلوب سبق انتهاجه في وقت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال عمليات تعديل الدستور التي كانت نتائجها محلّ انتقاد شديد.
ويذهب نور الدين بن يسعد رئيس اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى أن طريقة تعديل الدستور عبر لجان الخبراء، تعتمد عليها السلطة في الجزائر منذ الاستقلال، لكنها تفشل في كل مرة، حسبه، في إنتاج دستور يبقى في الزمن مدة طويلة مثلما هي تقاليد الدول الديمقراطية، بدليل اللجوء المفرط إلى التعديل.
وقال بن يسعد في تصريح لـ"عربي21"، إن السلطة في الجزائر يجب أن تُدرك أخيرا، أن تعديل الدستور ليس عملية تقنية يقوم بها الخبراء، ولكنه ورشة سياسية كبرى يجب أن يشترك فيها المواطنون والطبقة السياسية والمجتمع المدني، للوصول إلى توافق شامل حول طبيعة النظام الذي يريده الجزائريون، ثم وضع هذه النتائج تحت تصرف الخبراء الذين يحولون كل ذلك إلى نصوص.
وأضاف بن يسعد الذي ينشط في التكتل السياسي المعروف بـ"البديل الديمقراطي"، أن الخبراء عندما يكون توجيههم السياسي خاطئا ينتجون تعديلات مضرة بالدستور، تماما مثلما فعلوا سنة 2008 عندما قاموا بأمر من الرئيس السابق، بفتح العهدات الرئاسية التي كانت محددة باثنتين، ما سمح لبوتفليقة بعدها بالترشح وتكريس ما يشبه عهدة أبدية له على رأس الجزائر.
وأهم نقطة استغرب لها بن يسعد، لجوء تبون إلى تشكيل لجنة خبراء وتزويدها بالمحاور الواجبة التعديل، قبل أن يفتح حوارا وطنيا كما بذلك مع الحراك والطبقة السياسية، وهو ما يعني –حسبه- أن إفراغ الحوار من محتواه ما دامت أبرز الإصلاحات السياسية محسوما في تنفيذها بطريقة فوقية.
"عوائق متفهمة في وجه الرئيس"
لكن سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، لا يوافق بالضرورة على الرأي الأول، ويعتقد أن هناك عوائق متفهمة في وجه الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، قد تكون دفعته لانتهاج هذا الأسلوب.
وأوضح جيلالي في تصريح لـ"عربي 21"، قائلا: "بالفعل، كان يفترض فتح حوار حقيقي قبل الإعلان عن تعديل الدستور.
لكن يجب الاعتراف بأن المسألة حاليا تبدو معقدة، إذ ثمة عدة عوائق متفهمة في وجه إطلاق الحوار، فمن جهة أصبحت كل أحزاب الأغلبية في البرلمان مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي منبوذة، ومن جهة أخرى هناك الأحزاب المحسوبة على اليسار رافضة لكل حوار، وهذا ما يجعل من الصعب إطلاق حوار في هذه الظروف".
وأبرز جيلالي سفيان، أن التوجيهات التي قدمها تبون للجنة الحوار والمحاور التي اقترح تعديلها، تصب في معظمها في اتجاه إيجابي، كما أن المعلومات الواردة عن تشكيلة لجنة الحوار تشير إلى أنهم خبراء من نخبة الجامعة الجزائر وينتمون إلى معظم الولايات، لكن مع كل ذلك –حسبه- يجب انتظار نتيجة العمل للحكم على مشروع الدستور المقترح.
وأضاف جيلالي أن الموقف النهائي يتحدد بعد تسلم مشروع تعديل الدستور ورؤية ما إذا كانت مطالب الحراك الشعبي مجسدة فيه، خصوصا وأن الرئيس تعهد –حسبه- بتسليم المشروع إلى الطبقة السياسية لإضفاء مقترحاتها عليه.
من جانبه، يرى عبد العزيز رحابي، السياسي الذي أشرف على ندوات المعارضة الأخيرة، أن تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم، كانت تمرّ دائما عبر انتخاب برلمان في ظروف نزيهة يقوم هو بعد ذلك بإعداد الدستور.
وأوضح رحابي في حديثه مع "عربي 21"، أن تجارب الدول في الانتقال إلى نظام ديمقراطي تختلف، وقد تكون للجزائر –حسبه- تجربتها، لكنه المحدد لكيفية تعديل الدستور ومضمونه هو الحوار الذي يجب أن يكون شاملا ودون إقصاء.
وأشار المتحدث، إلى أن المعارضة اقترحت في عدة مناسبات، مشاريع لكيفية تحقيق الانتقال الديمقراطي لكنها كانت دائم تصطدم بمعارضة السلطة، ما يجعل الاستفادة من تجارب الماضي مهما عدم الوقوع في نفس الأخطاء.