منذ اللحظة الأولى لوصول المبعوث الأممي إلى
اليمن، السيد جمال بن عمر، بدأت خيوط اللعبة في التشكل ضد مشروع التحول الديمقراطي والتغيير السياسي الذي كان اليمنيون يحلمون به بعد الإطاحة بنظام علي صالح.
فقد شرع اليمنيون بمختلف الطيف السياسي بحوار وطني شامل استمر أكثر من عام، وأفرز دستورا ومسودة متكاملة اشتملت على بيان شامل لشكل الدولة وتوزيع السلطة والثروة وتحقيق التنمية وتكافؤ الفرص بين كل المناطق والأقاليم المختلفة، والتي أقرتها وثيقة الحوار الوطني.
ولكن مع كل ذلك الإنجاز الذي قلما تجود به أمة خرجت من وضع مأزوم وتناقضات مخيفة، كان هناك نظام تعمّد إشعال الأزمات وخلق الصراعات الداخلية ودعم المليشيات والجماعات المتطرفة واستخدامها في مواجهة الشعب طيلة فترة حكمه، فقد كان نظام صالح يتعمد إشعال حروب مع جماعة الحوثي في كل مرحلة يكون فيها الشعب أمام استحقاق انتخابي جديد.
ومن المفارقات العجيبة أن تتورط منظمة كالأمم المتحدة في خلق وتغذية الصراعات، ووضع العراقيل أمام خيارات الشعوب العربية المتطلعة للتغيير والديمقراطية.
ففي اليمن كان الدور المشبوه والذي يرتقي إلى دور المتآمر؛ واضحا وجلياً من خلال المبعوثين الذين تم إرسالهم إلى اليمن بعد تخلي صالح عن الحكم بصورة شكلية عبر المباراة الخليجية، والتي شكلت خميرة أولية للالتفاف على التحول الديمقراطي في اليمن.
فقد فرض المبعوث الأممي جمال بن عمر جماعة الحوثي المسلحة في مؤتمر الحوار الوطني بنسبة تمثيل كبيرة، تفوق أحزابا سياسية لها باع طويل في العمل السياسي والمشاركة الانتخابية والانتشار الجماهيري.
ويعد من أهم مظاهر استهتار
الأمم المتحدة بالشعب اليمني فرض مشاركة جماعة الحوثي في الحوار الوطني دون اشتراط تخليها عن السلاح؛ الذي استمرت تستخدمه طيلة فترة الحوار الوطني في حربها على الشعب اليمني وتهجيره وزرع بذور الطائفية وتعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، في بلد منهك ومثقل بالعديد من الأزمات.
ولم تكتف منظمة الأمم المتحدة بفرض جماعة الحوثي بثمثيل عال في مؤتمر الحوار الوطني، وذلك عبر مبعوثها سيئ الذكر جمال بن عمر، بل الأسوأ من ذلك هو أن جمال بن عمر عمل على تسويق انقلاب الحوثي بشكل فج ووقح للغاية. فقد كان ليلة الانقلاب الأسود 21 أيلول/ سبتمبر 2014 في ضيافة زعيم تلك المليشيات، حين اقتحمت تلك المليشيات العاصمة صنعاء بحجة إسقاط الجرعة السعرية، فكان جمال بن عمر يتناول العشاء في صعدة مع عبدالملك الحوثي.
نعم لقد شارك جمال بن عمر في انقلاب الحوثي، ولم يكتف بذلك، بل عمد إلى شرعنة ذلك الانقلاب عبر اتفاق السلم والشراكة، والذي بموجبه صارت مليشيات الحوثي طرفا سياسيا أصيلاً في العملية السياسية؛ وبذلك يكون قد تم إسقاط الدولة اليمنية وتمكين المليشيات، وفرض سلطات الأمر الواقع على حساب الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
ثم جاء بعد ذلك دور الجيران في تدمير وتمزيق اليمن وتقاسم النفوذ بعد ذلك، حيث لا يروق لهم قيام دولة تعددية ديمقراطية في جنوب الجزيرة العربية، حينها تشكل ما يسمى بالتحالف العربي وتم إطلاق عمليات عسكرية في 26 آذار/ مارس 2015 ومنذ ذلك التاريخ ولمدة خمس سنوات وما زالت تلك الحرب مستمرة والحصار مطبق والموت هو العنوان الأكبر في اليمن، كل ذلك بحجة القضاء على انقلاب الحوثي، ولكن لم يكن الحوثي بتاتاً هو المستهدف من تلك الحرب القذرة، فالحوثي شريك في المؤامرة كما صرح بذلك مستشار الديوان الملكي أنور عشقي عبر مداخلة تلفزيونية، حيث قال أن الحوثي تسلم أموالا طائلة مقابل القضاء على طرف سياسي في اليمن، وأضاف أن عبدالملك الحوثي وقع بيده التزاما للسعودية بذلك حسب قوله.
وبذلك يكون الحوثي قد وفر فرصة ذهبية للسعودية والإمارات للتدخل في اليمن وتدميرها واحتلالها ليتقاسم النفوذ بعد ذلك مع الغزاة الجدد والمرتزقة في الداخل.
لم تنته بعد المهمة المشبوهة للمبعوثين الأمميين في اليمن عند إسقاط الدولة وتسليمها للمليشيات، فقد عمدت الأمم المتحدة لتمكين تلك المليشيات وتقوية نفوذها على الأرض، وإشراكها في الحوار السياسي مع الحكومة الشرعية في جولات الحوار التي عقدت في الكويت وفي السويد. وبذلك صارت تلك المليشيات طرفاً في الحل وندا للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
كما عملت المنظمات التابعة للأمم المتحدة على مد مليشيات الحوثي بأسباب البقاء والصمود، عبر تمويل مشاريع كبيرة تنموية وإغاثية في مناطق سيطرة المليشيات، والتي كانت تستحوذ على نسبة تزيد على 70 في المئة من مواد الإغاثة الإنسانية وتصرفها في مجهودها الحربي. كما أن طيران الأمم المتحدة كان الوسيلة الوحيدة التي يتنقل عبرها ممثلو تلك المليشيات عبر مطار صنعاء المغلق طبعا أمام المواطنين.
ولا يختلف المبعوث الثاني ولد الشيخ عن سلفه ابن عمر وجريفيث الذي تسلم المهمة بعد ولد الشيخ، فالجميع يؤدون مهمة واحدة تستهدف استقرار ووحدة اليمن، وتعمق أزمة البلد وتبعده عن فرص السلام والتحول الديمقراطي والاستقرار.
ولو تتبعنا تصريحات جريفيث الأخيرة عبر الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن في جلسته المُنعقدة حول اليمن، لوجدنا أن جريفيث تحول من مبعوث للأمم المتحدة إلى مجرد ناطق باسم مليشيات انقلابية تهدد السلم والأمن الإقليمي، وفي ذلك خروج صريح ومفضوح لمهمة الأمم المتحدة المعنية بالعمل على احلال السلام إلى منظمة تتبع قوى استعمارية دولية تتخذ من المليشيات المحلية أدوات قذرة في تدمير الدولة الوطنية في العالم العربي، ونشر الفوضى وتمكين الطائفية السياسية والأقليات على حساب الأغلبية..
وبناء على ما سبق، فإننا بأمسّ الحاجة إلى حملة عالمية تعري وتكشف الدور المشبوه الذي صارت الأمم المتحدة تلعبه في تدمير مستقبل الشعوب عبر مبعوثيها، والذين صاروا يعملون لصالح أجندة دول كبرى تستغل خيرات العالم الثالث وتتحكم بمصير شعوبه، في مخالفة واضحة لأهداف نشأة منظمة الأمم المتحدة. فالعالم اليوم بحاحة ماسّة لصياغة نطام عالمي جديد يكسر احتكار وتحكم الدول الكبرى (ذات الاطماع الاستعمارية) بمصير العالم الثالث.