مقالات مختارة

صفقة أم تبني استراتيجية الحركة الصهيونية؟

طلال عوكل
1300x600
1300x600

ليست المرة الأولى التي يظهر فيها على سطح وسائل الإعلام ما يمكن اعتباره مسودة نصوص صفقة القرن، ثمة تطابق إلى حد بعيد بين الصيغة التي عرضتها قناة الميادين اللبنانية وبين ما سبق لصحيفة جروسالم بوست الإسرائيلية أن نشرته قبل بضعة أشهر.

غير أن هذا التطابق في محتويات ما نشر، لا يعني بالضرورة أن ما تقدم حول صفقة القرن، هو الصيغة النهائية والكاملة للصفقة، كما أن النشر لا يعني أيضا أن هذه الصفقة أن كانت المنشورة أو غيرها، ستجد لها الوقت الكافي للتداول.

لكننا لا نستطيع أن نهمل دقة الصياغة، وشموليتها في الوثائق التي نشرت، ما يدعو للاعتقاد بأن ما نشر، قد يكون الهدف منه إثارة الجدل وفحص ردود الأفعال الأولية للأطراف المعنية وهي كثيرة بطبيعة الحال.

وبغض النظر عن الدوافع وراء عملية تسريب الأفكار التي تحمل عنوان "صفقة القرن" فإن ما ورد فيها وآليات تطبيقها وفق النصوص لا تكتسب صفة الصفقة.

الأسلوب الأوامري الذي يسيطر على ما ورد في الوثيقة يشير إلى أنها أفكار مفروضة من قبل الولايات المتحدة، يترتب على الجميع قبولها أو رفضها، حتى لو أتيحت الفرصة لأي طرف بان يدخل عليها بعض التعديلات التي يفترض أن تكون مقبولة من الإدارة الأمريكية.

ما يقال عنه صفقة هو عملية إملاء لقرارات وسياسات تتبناها الإدارة الأمريكية مشفوعة بتهديدات صريحة لكل من يقف في طريق تعطيلها.

حتى الحديث عن الممولين ونسب التمويل تمت صياغتها بطريقة فوقية مع بعض الإشارات إلى أن البعض خصوصا العرب قد أعطى موافقته الأولية على الدور الذي يترتب عليه.

السلطة ستتعرض لعقوبات بوقف التمويل من قبل الولايات المتحدة مع أن التمويل متوقف تماما، ولكن التهديد يتواصل نحو استخدام أمريكيا لنفوذها لوقف تمويل السلطة من قبل الدول التي تواصل تقديم مساعداتها.

"حماس" إما أن توافق وتوقع، وإما أنها ستتعرض لهجوم إسرائيلي مدمر، بتغطية ودعم، وربما مشاركة من قبل الولايات المتحدة.

لا وجود لشيء أو آلية اسمها مفاوضات ووساطات بين أطراف "الصفقة" التي تقدمها الولايات المتحدة، فإسرائيل ستحتفظ بالكتل الاستيطانية، التي ستشمل البؤر الاستيطانية المعزولة وستحافظ على سيطرتها على الغور الأردن كما هو الوضع القائم.

الدولة الفلسطينية أو فلسطين الجديدة ينبغي أن لا تكون مسلحة، بل يترتب على "حماس" التخلص حتى من السلاح الفردي لدى مرافقي القيادات، وعليها أن تدفع ثمن الحماية الأمنية الإسرائيلية.
مسخرة حقيقية، أن يقال بان فلسطين الجديدة يمكن أن تتعرض لتهديدات أمنية أو عسكرية، من غير إسرائيل التي تشكل التهديد والعدوان الأساسي والوحيد على الفلسطينيين.

في هذه الحالة فان إسرائيل هي التي عليها أن تدفع ثمن الحماية للفلسطينيين.

الملاحظة الأساسية هي أن الولايات المتحدة أسقطت سلفا موضوع القدس، وحق العودة، فالقدس تظل تحت السيادة الإسرائيلية، وإذا كان يحق للفلسطينيين أن يفرضوا مناهجهم التعليمية، فان عليهم أن يدفعوا ضريبة الأرنونا لإسرائيل.

الوثيقة المسربة لا تتضمن حرفا واحدا حول الأونروا، وحول حق الفلسطينيين في العودة، ودولة فلسطين الجديدة ينبغي أن تكتفي جغرافيا بقطاع غزة، وأجزاء قليلة من الضفة الغربية، أي المدن كثيفة السكان. من دولة فلسطينية مستقلة إلى دولة تحت الاحتلال إلى دويلة تحت رحمة الاحتلال.
هذا يعني أن على الفلسطينيين أن يكتفوا بإجراءات ذات أبعاد اجتماعية إنسانية، وبسيادة شكلانية تساوي حكما "ذاتيا" لا اكثر ولا اقل.

لا داعي لتسجيل المزيد من الملاحظات على النصوص التي تضمنتها الوثائق المسربة وما ورد فيها مفهوم سلفا بالتحليل، إذ لا يعتقد عاقل بأن ما ورد حتى الآن من سياسات ومواقف وممارسات من قبل الإدارة الأمريكية يبقي للفلسطينيين اكثر أو اقل مما تبقى وتنص عليه الوثيقة.

والآن هل بقي لدى إدارة ترامب أي وقت أو دافعية لطرح الوثيقة أو الصفقة المشؤومة؟ يتعرض ترامب لتحقيقات صعبة من قبل الكونغرس، وربما يتم توجيه لائحة اتهام بحقه، ولذلك فان همومه لا تسمح له بالقفز عن هذا الواقع. بالإضافة لذلك فان طرح الوثيقة للتداول يحتاج إلى وجود حكومة إسرائيلية قادرة على اتخاذ قرار من هذا المستوى.

ومثل هذه الحكومة من غير المرجح أن تظهر إلى النور قبل شهر أيار العام القادم، وحينها ستكون الانتخابات الأمريكية على اشدها، يبقى أن نشير إلى ضرورة إعلان السلطة وحماس وبقية الفصائل موقفا واضحا إزاء ما طرح، كمقدمة لتجنيد الوضع العربي الذي عليه أن يرد على استهتار الإدارة الأمريكية باستقلالية وكرامة الدول العربية.

(الأيام الفلسطينية)

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الجمعة، 20-12-2019 04:55 م
لو كانت هناك أي كرامة لدى حكام العرب والمسلمين لقطعوا علاقاتهم مع الصهاينة ومع إدارة ترمب، لكنهم يتنافسون في التطبيع وفي لقاءات ترمب وفي استضافة جنود أمريكيين وفي شراء أسلحة أمريكية جربها الصهاينة في فلسطين. والأسوأ أنهم ما زالوا يتلقون المدائح من هذا أو ذاك مقابل فتات أموال وأكاذيب وبيانات مكررة.