هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في عام 2010، قرر موريس فيلارويل، العالم بجامعة بوليتكنيك في مدريد، عند بلوغه 40 سنة، أن يعيد تقييم حياته. وراودته فكرة الاحتفاظ بسجل كامل ومادي لحياته لمدة عشر سنوات، لا ليساعده على تذكر الماضي فحسب، بل أيضا ليعينه على حسن استغلال وقته والاستمتاع بكل لحظة في حياته مستقبلا.
ووفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فقد مضى فيلارويل يسجل كل حركة يتحركها على مدار اليوم، وكان يبدأ بتدوين خطط اليوم في الليلة السابقة، ثم يكتب ملاحظات عن تفاصيل كل مكان يزوره وكل نشاط يمارسه، حتى لو كان مجرد رحلة بالقطار أو محاضرة في الجامعة، كل 15 دقيقة أو نصف ساعة.
كان فيلارويل يهدف من وراء هذا المشروع لتنظيم وقته من خلال تقييم الأنشطة التي يقضي فيها وقته، وآثار هذه الأنشطة التي يمارسها على صحته وسعادته.
وكان فيلارويل على سبيل المثال يذهب للعمل بالسيارة، لكنه لاحظ بعد كتابه سجل حياته أن سلوكيات قائدي السيارات قد تثير ضجره، وتسبب له ضغطا نفسيا يلازمه طوال اليوم. ويقول إنه الآن يذهب للعمل بالقطار أو سيرا. وقد ساهمت هذه التغييرات الطفيفة في تحسين رضاه عن حياته.
وساعدته السجلات أيضا في الاستفادة من التجارب التي يواجهها في العمل يوميا، إذ أصبح بإمكانه الآن تدقيق النظر في أدق التفاصيل اليومية التي تساعده في تحسين أدائه. ويقول إنه لولا هذه السجلات، لكانت هذه الأفكار ذهبت طي النسيان.
كما تعينه هذه الملاحظات على تذكر المحادثات التي دارت بينه وبين الطلاب والاستفادة منها في تلبية احتياجاتهم الشخصية. ويقول فيلارويل إن مراجعة هذه السجلات ساعدته في التحكم في انفعالاته، وأصبح أقل انفعالا في المواقف المثيرة للضغوط والتوتر، ويرى أن تقييم الذات يجعله ينظر للأحدات من منظور محايد، كما لو كان شخصا آخر، لا علاقة له بالأمر.
وبإمكانه الآن مطالعة تفاصيل كل يوم وكل ساعة خلال العشر سنوات، ويقول إنه يعرف أن حياته كانت زاخرة بالأحداث قبل سن 40 عاما، لكنه لا يستطيع تذكر تفاصيلها. ويشعر كلما نظر إلى حجم السجلات، أن هذا العقد من حياته كان أطول من العقود السابقة.
يقول تقرير (بي بي سي) إن فيلارويل يقضي نحو ساعة يوميا في تسجيل تجاربه اليومية، وقد ملأ حتى الآن 307 دفاتر على مدى عشر سنوات.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تسجيل التجارب الحياتية وتحليلها باستخدام أجهزة واستراتيجيات متعددة، وأفرزت هذه الظاهرة حركة للتعرف على الذات بالأرقام باستخدام الأجهزة الذكية التي يمكن ارتداؤها لتتبع النشاط البدني والحالة الصحية.
وبدأ جيمس نوريس، مؤسس شركة "أبغريدابل" للاستشارات في إندونيسيا، في تدوين الأحداث التي مر بها في حياته منذ سن 16 عاما.
وتؤيد الكثير من الدراسات فوائد تدوين أحداث الحياة اليومية؛ إذ أشارت دراسة أجرتها فرانشيسكا جينو من كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، إلى أن قضاء 10 دقائق يوميا في تدوين الأنشطة اليومية حفز أداء المشاركين بنسبة تفوق 20 في المئة خارج ساعات العمل. وأشارت أدلة كثيرة إلى أن كتابة الأنشطة اليومية وتأملها يزيد السعادة والرضا عن الحياة.
ويؤكد معظم علماء النفس فوائد تخصيص دقائق قليلة لتأمل الذات، حتى لو كان مجرد التفكير في الأحداث المبهجة التي تبعث على السعادة وتقديرها.
وإذا كنت ترى أن الكتابة أمر شاق، فثمة طرق أخرى لتسجيل الأحداث اليومية؛ إذ يوجد الآن نوع من الكاميرات يلتقط صورا بصورة تلقائية كل 30 ثانية طوال اليوم، وتستخدم هذه الكاميرات لمساعدة المصابين بالخرف في تذكر الأحداث اليومية، لكن الكثيرين يستخدمونها الآن لتسجيل لحظات حياتهم.
واللافت أن يوميات فيلارويل تجعله أكثر وعيا بتجاربه اليومية. ومن المقرر أن تنتهي السنوات العشر بنهاية شهر شباط/ فبراير، لكنه يعتزم مواصلة كتابة يومياته حتى بعد انتهائها. ويقول: "لقد أصبحت عادة سأواظب عليها طيلة حياتي". ويصفها بأنها وسيلة للاستمتاع بكل لحظة من لحظات حياته.