هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لقد كانت أمريكا ولا تزال الداعم الأكبر لدولة الاحتلال الاسرائيلي منذ قيامها عام 1948، يتخذ هذا الدعم أشكالا متعددة؛ أهمها العسكري والسياسي والاقتصادي، وتوفر أمريكا الغطاء السياسي لكافة جرائم الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ بدء دولة الاحتلال في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية عام 1967، وهذه المستوطنات تنعم بالدعم الأمريكي، وكذلك الدفاع عنها في مواجهة الإجماع الدولي على عدم شرعيتها وتنديد مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باستمرار إنشاء المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لم تكتف الولايات المتحدة الامريكية بتبرير جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين، وكذلك دعمها في كافة المحافل الدولية، وعلى مدار العقود السبع الماضية كانت اسرائيل أكبر متلق للدعم المالي الأمريكي اقتصاديا وعسكريا على مدار التاريخ، وتشير التقديرات الى أن حجم الدعم الذي تلقته اسرائيل وصل الى 270 مليار دولار وفق التقارير الصادرة عن دائرة المساعدات الأمريكية ( USA?D )، كان نصيب المستوطنات منها نحو 2 مليار دولار وفق التقديرات الرسمية.
في حين تجمع كافة الدول وعلى رأسها الأتحاد الأوروبي بأن الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني، ويخالف القانون الدولي وينتهك كافة القرارات الدولية الصادر عن مجلس الأمن الدولي وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث جرى التأكيد على عدم شرعية المستوطنات عبر ما يزيد عن 60 توصية للجمعية العامة وكذلك العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي وخاصة القرارات 446/1979، 465/1980، 476/1980، 478/1980، 2334/2016، أكدت هذه القرارات على عدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووجوب التوقف الفوري عن إقامة المستوطنات، كما وتدعوا القرارات الدولية كافة الدول الى عدم تقديم أي دعم للانشطة الاستيطانية الاسرائيلية.
كان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334/2016 في ظل حكومة الرئيس الامريكي باراك أوباما وتغيرا بارزا في السياسة الأمريكية وجاء القرار خارجا عن المألوف بالنسبة لدولة الاحتلال الاسرائيلي التي اعتادت على تلقي الدعم الأمريكي والدفاع عن انتهاكاتها المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جاء هذا القرار ليكشف التواطأ الأمريكي على مدار العقود الماضية حيث استخدام حق النقض الفيتو في وجه المحاولات الدولية لوضع حد للاستيطان الاسرائيلي.
إستمرارا لسلسة الدعم الأمريكي لجرائم الاحتلال الاسرائيلي، تأتي قرارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتكرس لواقع الاحتلال الاسرائيلي، حيث جاء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل، وكذلك قرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس، وبالأمس جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بان الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الاسرائيلية انتهاكا للقانون الدولي، هذه التصريحات التي تعتبر خروجا على كافة الاعراف الدولية، فالمستوطنات تخالف أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تجرم قيام دولة الاحتلال بنقل جزء من سكانها الى الأراضي المحتلة، وكذلك تنتهك أحكام اتفاقية لاهاي عام 1907، ناهيك عن عشرات القرارات الدولية التي تعتبر الاستيطان مخالفا للقانون الدولي.
نذكر وزير الخارجية الأمريكي الذي تناسى القرارات الدولية وندعوه الى إعادة قراءة القرار 2334 الذي استعاد عملياً أهم ما ورد في القرارات الخمسة آنفة الذكر (446، 452، 465، 476، 478)، مجدداً الإدانة لأعمال الإستيطان؛ فمجلس الأمن "يدين جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، والتي تشمل إلى جانب تدابير أخرى بناء المستوطنات وتوسيعها ونقل المستوطنين ومصادرة الأرض وهدم المنازل وتشريد المدنيين الفلسطينيين في إنتهاك للقانون الدولي الإنساني والقرارات ذات الصلة.
لأول مرة يرد في صياغة قرارات مجلس الأمن الحصرية بالإستيطان مصطلح "المستوطنين الإسرائيليين" (Israeli settlers) في سياق إدانة إستيطانهم للأرض الفلسطينية، وتظهيراً لمكانتهم المخالفة للقانون الدولي، بعد أن كانت الصياغات السابقة تستخدم مصطلح "سكان إسرائيل المدنيين"(its own civilian population) في سياق مطالبة إسرائيل بالإمتناع عن نقل هؤلاء إلى المستوطنات المقامة على أراضي الـ 67، أو مصطلح "توطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد" (settling parts of its population and new immigrants) في سياق إعتبار أن هذه السياسة وهذه الأعمال تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
وكذلك يشير مجلس الأمن إلى الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 9/7/2004؛ وهي المرة الأولى التي يتطرق فيها قرار صادر عن مجلس الأمن إلى الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية (بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة)، ما يضفي على البعد القانوني الدولي المكرس لهذه الفتوى، ويعززه ببعد الشرعية الدولية (مجلس الأمن بعد الجمعية العامة، يؤكد القرار من جديد أن إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية ويشكل إنتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل، مع عدم الإعتراف بأي تغيير على خطوط الـ 67، بما يشمل القدس أيضاً، الأمر الذي لم يسبق أن ورد في قرارات أو مشاريع قرارات سابقة.
ويبقى القانون الدولي هو الفيصل الذي يبين الوضع القانون للاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما سيكون مصير التصريحات الأمريكية المنحازة لدولة الاحتلال الى الزوال، دون رصيد يذكر، فحق الفلسطينيين أقوى من نزوات هنا أو هناك.