هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما الذى يحدث في لبنان.. بل السؤال ما الذي يحدث في المنطقة العربية بأكملها؟
خلال الشهور الأخيرة انقلبت المنطقة رأسا على عقب، وكأن أرياح 2011 قد عاودت الهبوب مرة أخرى!
السودانيون أسقطوا البشير، والجزائريون أسقطوا بوتفليقة، ويحاولون الآن استعادة زمام أمورهم بعد أن حاول النظام القديم تأميم الشعب مدى الحياة.
والعراقيون خرجوا أياما في الشوارع وهتفوا ضد الطبقة الحاكمة بأكملها، وهو ما فعله اللبنانيون في الأيام الماضية في مظاهرات انطلقت أساسا احتجاجا على زيادة الضرائب وتردي الخدمات أو غيابها.
هل تكفي فقط نظرية المؤامرة لتفسير ما يحدث في غالبية بلدان المنطقة؟
أي عاقل يدرك أن الإجابة هي: لا. وحتى لو كانت هناك مؤامرة فهي لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا كانت هناك عوامل موضوعية في الداخل تساعدها.
المسألة ببساطة أن الناس تريد أن تتعلم وتتوظف وتحصل على الحد اللائق من الخدمات العامة، خصوصا العلاج، إضافة بالطبع إلى الحد الأدنى من التعامل الآدمي من السلطات الحاكمة. وحينما يغيب ذلك ويختفي، يبدأ الناس في التململ، ثم الاحتجاج، الذي قد يصل إلى التخريب في ظل غياب ثقافة الاحتجاج لدى الناس، وغشومية السلطة في غالبية الأقطار العربية.
أين هي المؤامرة في العراق؟
مئات الآلاف من الناس خرجوا في العاصمة وسائر المحافظات، احتجاجا على الفساد وغياب الخدمات وانعدام فرص العمل، غالبيتهم كانوا في بغداد ثم في مدن شيعية، واحتجوا على الحكومة الشيعية، وحرقوا الأعلام الإيرانية. هم تحملوا عشرات السنين خصوصا منذ الغزو الأمريكي عام 2003، على أمل أن تتحسن الأحوال. ثم فوجئوا بأن الطبقة الحاكمة حلت محل صدام حسين، وإيران صارت بديلا للاحتلال الأمريكي!
أين هي المؤامرة في الجزائر؟
منذ نحو عام والشعب يخرج فى مظاهرات أسبوعية خصوصا يومى الثلاثاء والجمعة، للمطالبة بأن يحكموا أنفسهم ويحاكموا الفاسدين، وأن ينهوا حكم الوصاية الذى يعتقد أصحابه بأنهم مخلدون فى الرعاية الأبوية إلى الأبد.
أين هي المؤامرة في لبنان؟
النظام الطائفى المقيت يعيد إنتاج نفسه بصورة دائمة ولا يستفيد منه الا الكبار، ويتواطأ أركانه من أجل أن تستمر هذه الصيغة. وكل زعيم يتمترس خلف طائفته أو مذهبه أو قوة إقليمية أو دولية تحميه، لكن حال الناس وصل إلى درجة من البؤس، عبرت عنها فنانة حينما قالت إنها لم تعد قادرة حتى على استئجار منزل، فما بالك بالمواطن العادى!
أين هى المؤامرة فى المظاهرات التى شهدها الأردن قبل أسابيع، سواء حينما خرج الناس ضد ارتفاع أسعار الوقود، أو حينما احتج المعلمون مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية؟
نعم هناك قوى إقليمية دولية تريد إغراق المنطقة دائما فى الفوضى. لكن مرة أخرى لا يمكن لهذه القوى أن تنجح، إلا إذا كانت منطقتنا هشة ورخوة ويعشعش فيها الاستبداد والفساد والجهل والمرض.
ما لا تريد حكومات وأنظمة المنطقة أن تدركه هو أن هناك تغيرات دراماتيكية حدثت لدى الجماهير منذ انفجار ثورة الاتصالات والمواصلات. لم يعد ممكنا إبقاء أو احتجاز شعب كامل خلف الجدران. وسائل التواصل الاجتماعى وجهت أكبر ضربة للاستبداد فى العالم عموما، ومنطقتنا خصوصا.
السوشيال ميديا، لديها عيوب وسلبيات كثيرة، لكن فى هذا المجال جعلت الناس العادية يقرأون ويعرفون ما الذى يحدث فى الداخل أو الخارج، بالصوت والصورة والفيديوهات الحية.
صارت الناس العادية تسأل: ولماذا شعوب أوروبا متقدمة ونحن متخلفون، من وما الذى يجعلنا هكذا؟
صار الناس يتوقون إلى التعلم والتوظف والترقى والمشاركة فى تقرير مصيرهم.
ما لا يدركه كثير من الحكومات أن المستقبل القريب يخبئ العديد من المفاجآت للجميع.
مرة أخرى لا يمكن احتجاز شعوب بكاملها خلف الجدران. والوصاية عليها «بالطريقة الإمامية القديمة فى اليمن السعيد»!
الاحتجاجات والتطورات والمظاهرات التى يشهدها العديد من بلدان المنطقة فى الشهور الأخيرة، ترسل رسالة محددة خلاصتها أنه من دون الحكم الرشيد والشراكة بين الشعوب والأنظمة والحكومات وإصلاح الخدمات وتوفيرها خصوصا التعليم والصحة، فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور والانفجار.
وفى غياب وجود قوى سياسية مدنية عاقلة بفعل الاستكانة والسير بجوار أو داخل الحوائط، وبسبب القمع والتضييق والحصار، فإن الانفجار العشوائى مرشح لأن يعصف بالمنطقة بأكملها، فهل يتعظ الجميع ويبدأون فى الإصلاح الهادئ والتدريجى من الآن؟
عن صحيفة الشروق المصرية