هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتبت تغريدة مؤخرا رفضا لخوض نادي "الرجاء" المغربي رفقة عدد من جماهيره لمباراة مقابل نادٍ فلسطيني ضمن منافسة آسيوية، فجاء عليها حشد هائل من الردود التي انطوى بعضها على شتائم كما هي العادة في مواقع التواصل.
لا حاجة إلى القول إن الجمهور المغربي عموما، ومن ضمنهم جمهور هذا النادي، من أكثر المتعاطفين مع قضية الفلسطينيين، وهتافاتهم تؤكد ذلك، وطالما احتفلنا بمواقف أبنائه ومشجّعيه، وهو حال جماهير الأمة التي يمكن لبعضها التعبير عن ذلك، بينما تُمنع أخرى بطرائق شتى.
جمهور "الرجاء" كان دائما ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولو رفض النادي خوض المباراة في مناطق السلطة الفلسطينية مثلا، لوقف الجمهور مع هذا الموقف دون تردد، ولكن عندما قرر غير ذلك، وقفوا بجانبه (ليسوا جميعا بالطبع).
من الضروري القول هنا إن الذنب الأكبر في هذا السياق لا يعود على النادي، وإنما على الذين فتحوا هذا الباب من الأصل (استضافة المنتخب السعودي مصيبة أكبر لأن دلالاتها اكثر أهمية بكل تأكيد بعد الرفض في 2015)، لكن القضيتين معا تصبّان في ذات الفكرة التي نتوقف عندها في هذه السطور، ممثلة في منطق القبيلة الذي يشيع في فضائنا العربي على نحو يدمّر ضمير الإنسان في كثير من الأحيان.
نفتح قوسا هنا كي نشير إلى تصريح لرئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (جبريل الرجوب) قال فيه تعليقا على جدل قدوم نادي "الرجاء" إلى مناطق السلطة، إن هناك فريقان يرفضان مشاركة المنتخبات العربية بمباريات في مناطق السلطة هما: "إسرائيل والإخوان المسلمين"، وذكر الشيخ القرضاوي بالاسم.
العقلية القبلية ليست تعني القبيلة وحدها، بل تمتد لتشمل معظم التجمعات الإنسانية في فضائنا العربي، من أحزاب وجماعات ونوادٍ رياضية، فضلا عن الأنظمة بطبيعة الحال.
الكل يعرف من هو جبريل الرجوب، وسيرته في تسليم أبطال الشعب الفلسطيني للاحتلال. وحين يحوّل هذا مصطلح "الفدائي" إلى لاعب كرة القدم، فهو يتجاوز بعبثه كل الحدود، ويشوّه الصراع، بذات الروحية التي تعرض خلالها للتشويه من خلال اتفاق أوسلو الكارثي.
لكن الأهم هو أن ما ذكره ضربٌ من الهراء، لأن الكيان الصهيوني ليس ضد تلك المشاركة، وإلا لمنعها، ومن يرفض قرارات مجلس الأمن الدولي يعارض قرارات "الفيفا"، فضلا عن أن موقف الكيان هو الترحيب بكل الزيارات العربية، أكانت رياضية أم سياحية. أما القول بأن الإخوان هم وحدهم من يرفضون هذا اللون من التطبيع، فهو محض كذب وهراء أيضا، لأن هذا الموقف هو موقف كل الفلسطينيين، بل موقف كل القوى الحيّة في الأمة، بما في ذلك اليسارية والقومية (سنأتي على موقف "فتح" بعد قليل).
العقلية القبلية ليست تعني القبيلة وحدها، بل تمتد لتشمل معظم التجمعات الإنسانية في فضائنا العربي، من أحزاب وجماعات ونوادٍ رياضية، فضلا عن الأنظمة بطبيعة الحال.
في الحالة الأخيرة مثلا، يكون هذا النظام أو ذاك مع موقف معين، فيذهب أنصاره إلى تأييد ذلك الموقف والدفاع عنه، وحين ينقلب عليه لحسابات معينة، ما يلبث ذات الجمهور أن يدافع عن الموقف الجديد ويهاجم من يهاجمه.
المنطق القبلي يدمّر ضمير الإنسان، وإرادته الحرة التي ينبغي أن تدافع عن الموقف الذي تؤمن به، وليس الموقف الذي تتبناه قيادة القبيلة
ملاحظة: لن نعيد هنا الجدل حول موضوع الزيارة والتطبيع، ومن أراد أن يعرف المزيد فبوسعه العودة إلى مقالين نشرتهما في هذا الموقع قبل أسابيع ردا على الشيخ الريسوني.
نأتي هنا إلى موقف "فتح" كنموذج لمنطق القبيلة، فهي كانت مثل كل القوى الحيّة في الأمة ضد التطبيع، وحين غيّرت قيادتها الجديدة الموقف، صار أعضاؤها (ليسوا جميعا بالطبع)، يدافعون عن الموقف الجديد، ويرددون ببلاهة مقولة أطلقها كبيرهم بأن "زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السجان)، كأن دعم السجين لا يمكن أن يتم إلا من خلال زيارة تمنح الشرعية للسجان!!
المنطق القبلي يدمّر ضمير الإنسان، وإرادته الحرة التي ينبغي أن تدافع عن الموقف الذي تؤمن به، وليس الموقف الذي تتبناه قيادة القبيلة، ويكون الموقف أكثر أهمية حين يتعلق الأمر بحركات التحرر والتغيير، من دون أن يعني ذلك الدفع باتجاه الانشقاقات بالضرورة، لأن مواقف القيادة هي نتاج تدافع الكوادر أيضا.
لنتخيل اليوم كيف يدافع أناس من "فتح" عن التعاون الأمني مع العدو لأن القيادة تتبناه، ورغم وجود قرارات من مرجعياتها الأعلى (الوطني والمركزي) ضد ذلك التعاون. أليس في ذلك تدمير للضمير والإرادة الحرة؟!
وحتى لا يعتقد البعض أننا نستثني بعض القوى الإسلامية، فإن قطاعا معتبرا من عناصرها يذهبون هذا المذهب أيضا، ويتعاملون بالمنطق القبلي، بينما جاء الإسلام محررا للإنسان من هذا المنطق السقيم، لأنه محاسب كفرد أمام الله "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".