هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد أن كان السفير الأمريكي المستوطن ديفيد فريدمان قد صرح بقدر من الثقة، بأن الإدارة الأمريكية، ستعلن عن تفاصيل صفقتها، قبل نهاية هذا العام، يجد المبعوث جيسون غرينبلات سببا، للإعلان عن أن الإفصاح عن تلك الصفقة، مؤجل إلى اجل غير مسمى.
السبب الذي يجعل غرينبلات يعلن عن هذا التأجيل لا يتعلق بمدى كمال الصفقة، وإنما بالإجراءات التي بدأها الديمقراطيون لعزل الرئيس دونالد ترامب، الذي اعتبر ذلك انقلابا على شخصه.
تزامن
غريب يجمع الحليفين الكبيرين ترامب ونتنياهو، الأول بتهمة الاستعانة بدولة أجنبية
للإساءة لمنافسه جون بايدين، والثاني بتهم فساد وإساءة الأمانة. لسنا نعرف رئيسا
للدولة الأعظم على وجه الأرض حتى اللحظة، أكثر خفة، وشيطنة، واستهتارا من هذا
الرئيس الشعبوي، الذي يعاني منه كل حلفائه، ونقصد الحلفاء الطبيعيين للولايات
المتحدة، ما عدا إسرائيل، على أن محاولاته الظهور دائما بمظهر المصارع، الذي تنتهي
الجولة لصالحه، جعلته يبدو صغيرا قابلا للاستدراج، إلى مربعات من المهانة.
في عهد ترامب ربما الإدارة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي تشهد هذا القدر والعدد الكبير من الاستقالات والإقالات، والتغييرات السريعة في الطاقم الأساسي للإدارة، رغم أن كل المقالين والمستقيلين قد جرى اختيارهم من الطينة ذاتها.
يثير
ترامب ضجة كبيرة حول أمن الخليج، ويحشد الحلفاء للمشاركة، ويرفع سبابته متوعدا
ايران، حين أسقطت الطائرة الأمريكية المسيّرة، وحين احتجزت ناقلة بريطانية، لكنه
لا يفعل سوى اتخاذ المزيد من العقوبات ضد ايران.
تتعرض
منشآت شركة أرامكو النفطية في السعودية لقصف يجمع الكل على مسؤولية ايران عنه، ثم
يشمر عن ذراعيه، لمواجهة الخطر الإيراني وحماية دول الخليج، لكنه سرعان ما يعود
ليقول بالفم الملآن انه لن يشن حربا على إيران.
يكاد
يتوسل الحوار مع ايران، وبوساطة من الرئيس الفرنسي ماكرون يعتقد أن الفرصة قد سنحت
له للحصول على شرف الحديث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وينتظر على الهاتف لكن
روحاني لم يتصل. حتى يتحدث الإيرانيون مع ترامب، عليه أن يرفع العقوبات عنها أولا،
ذلك أن الإيرانيين افضل من فهم أبعاد شخصية وسياسة ترامب، وأفضل من لعب على
التناقضات، فهم لم يتنصلوا من الاتفاق، حول برنامجهم النووي لكنهم خفضوا بالتدريج
التزاماتهم إزاءه، بسبب عجز الشركاء الأوروبيين عن مساعدة ايران في مواجهة
العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا.
في الوقت ذاته، تمسكوا بالاتفاق، حتى يرغموا الإدارة الأمريكية إما على رفع العقوبات، أو على تحقيق الفشل الذريع في السياسة التي اتبعتها والأهداف التي أرادتها إيران صامدة في وجه العقوبات الأمريكية، فثمة أطراف أُخرى في العالم، تحاول الاستفادة من هذا الصراع، وتعزيز مصالحها وتجارتها مع ايران، وليس اقرب مثل على ذلك من قرار تركيا التي اعلن أنها ستواصل استيراد النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية. بعد إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سورية مطلع هذا الأسبوع، يقدم الرئيس الأمريكي تجربة أخرى عيانية في خيانة الحلفاء، والتخلي عنهم في لحظات حرجة.
بأسلوب
أرعن يعلن ترامب أنه سيدمر الاقتصاد التركي بالكامل في حال قامت تركيا بشن عملية
عسكرية، لمواجهة قوات سورية الديمقراطية، ما أدى فورا إلى هبوط سعر الليرة التركية.
يفعل
ذلك الرئيس الأمريكي، بحق دولة حليفة تاريخيا، وعضو مهم في حلف «الناتو»، وتستضيف
قواعد للحلف وأخرى للولايات المتحدة، بعض التحليلات ذهبت لتفسير قرار ترامب السخيف
والمفاجئ على أنه إشارة لدعم الهجوم العسكري التركي، غير أن التهديد الذي وجهه
لتركيا، صعب، خصوصا أن أطرافا عديدة في الإقليم وخارجه تعارض العملية التركية. غير
أن سلوك ترامب، ترك لدى الأتراك شعورا، بالخيانة، خاصة وأنه أيضا تضمن إهانة لهم
حين تحدث عن الدعم الكبير الذي قدمته أمريكا للأكراد.
أمريكا كانت قد خذلت أكراد
العراق حين امتنعت عن حمايتهم، عندما اجروا الاستفتاء على الاستقلال قبل ثلاثة أعوام.
أكثر من تصريح يصدر عن ترامب يترك شعورا لدى الحلفاء بأنه يسعى لابتزاز المال، وأن
أي دور تقوم به الولايات المتحدة يبدو كأنه مساعدة للحلفاء لا بد أن يكون له ثمن
مالي.
في
تصريحه بشأن سحب القوات الأمريكية من شمال سورية، كان قد قال أن الولايات المتحدة
ينبغي أن تتوقف عن المشاركة في حروب عبثية لصالح قوى لا تحب أمريكا.
القرار
الذي اتخذه ترامب، أحدث ضجة في الولايات المتحدة حيث عارضه مسؤولون من الجمهوريين
والديمقراطيين، باعتبار انه ينطوي على قلق شديد إزاء دور الولايات المتحدة في هذه
المنطقة المضطربة.
إسرائيل
هي الأخرى، بدت وكأنها متفاجئة، فلقد أظهر أكثر من مسؤول عسكري وسياسي، أن هذا
القرار يترك الدولة العبرية في مواجهة مخاطر محدقة من قبل ايران وحلفائها، لكن
هؤلاء، ما كان لهم إلا أن يؤكدوا قدرة إسرائيل على حماية امنها ومصالحها. في هذه
الأثناء كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد اعلن مبادرة تدعو الدول العربية للتقدم
نحو تطبيع علاقاتها بشكل علني، ما سيؤدي إلى رفع مستوى التعاون بما في ذلك الأمني
والعسكري.
إسرائيل تحاول استثمار القرار الأمريكي، لتقديم نفسها باعتبارها القادرة
على تعويض الغياب العسكري الأمريكي، غير أن تلك المبادرة لم تلق استجابة. في
الواقع فإن الولايات المتحدة، قد تتخلى عن حلفائها، إلاّ إسرائيل التي تشكل جزءا
من هويتها، وهو ما ينبغي على العرب أن يستوعبوه. يستدعي ذلك من قبل العرب إعادة
النظر في استراتيجياتهم، وتحالفاتهم ومراهناتهم. حيث تؤكد الوقائع الملموسة، أن
الولايات المتحدة، وإسرائيل، تقفان على رأس الدول المعادية للأمة العربية،
والساعية لتفكيك النظام العربي.
(صحيفة الأيام)