ملفات وتقارير

هكذا تقرأ روسيا وإيران تحرك تركيا العسكري نحو "شرق الفرات"

المصالح والمخاوف تدفع روسيا وإيران إلى تفضيل ترقب التطورات في الشمال السوري حاليا- جيتي
المصالح والمخاوف تدفع روسيا وإيران إلى تفضيل ترقب التطورات في الشمال السوري حاليا- جيتي

أكملت أنقرة استعداداتها لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا بضوء أخضر من واشنطن، وسط "شعور بالخذلان" لدى الوحدات الكردية، وتجديد نظام الأسد تأكيده اعتبار الوجود التركي في الشمال "احتلالا"، والعزم على صده.

يطرح ذلك المشهد تساؤلات بشأن موقف كل من إيران وروسيا، الداعمتين للنظام من جهة، وشريكتي تركيا في مسار "أستانا" للحل السياسي من جهة ثانية.

وتبدي أوساط في واشنطن قلقا كبيرا إزاء تفاهم الرئيس دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لا سيما أن من شأنه، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، تقديم فرصة لروسيا وإيران للتفرد بالنفوذ الاستراتيجي في سوريا، "على حساب إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة".

ولكن هل يقرأ "غريما واشنطن" المشهد على هذا النحو فعلا؟

معضلة "وحدة التراب"

في تصريح لـ"عربي21"، أشار المحلل السياسي والمختص بالشأن التركي، محمود عثمان، إلى تزامن استعدادات أنقرة العسكرية وخطواتها الدبلوماسية لتنفيذ العملية، "بما في ذلك العمل على إقناع شركائها في أستانة بحاجتها لحماية أمنها الاستراتيجي في المنطقة".

ولفت "عثمان" إلى أن "الطرف الروسي، وإن كان يريد ثمنا (للموافقة على الخطوة التركية)، لكنه أبدى تفهما لحاجة أنقرة إلى التدخل العسكري في شرق الفرات"، مع التأكيد على ضرورة "حماية وحدة تراب سوريا"، موضحا أن موسكو ترى في الأخيرة منطقة نفوذ استراتيجية واحدة، وخالصة لها.

اقرأ أيضا: فصائل معارضة تدخل تركيا تحضيرا لعملية الفرات.. هذه تحركاتها

وتابع بأن طهران كذلك تعرب عن تفهمها لمخاوف أنقرة على أمنها الاستراتيجي، "إلا أنه لا يفوتها الإشارة دائما إلى أن الوجود العسكري التركي على الأرض مرفوض، وينتقص من وحدة وسيادة سوريا".

واستدرك "عثمان" بالإشارة إلى أن الدافع وراء التدخل التركي هو بالدرجة الأولى منع وحدات الشعب الكردية بتشكيل دولة في الشمال وتمزيق البلاد، ومن ثم فإن الخطوة تشكل "صمام أمان لوحدة سوريا"، بحسبه.

وأضاف: "توجد قناعة لدى الأتراك بأن تقسيم سوريا يمهد لتقسيم بلادهم هي الأخرى، ولذلك فهم من أكثر المدافعين عن وحدة جارتهم الجنوبية"، مؤكدا أن أنقرة "صبرت طويلا" على هذا الملف.

تجدر الإشارة إلى أن التحرك التركي الحثيث للحصول على ضوء أخضر أمريكي يأتي وسط أزمة سياسية في واشنطن، ومساعي في الكونغرس للإطاحة بترامب، وقُبيل دخول فترته الرئاسية عامها الأخير.

"لا ثقة ولا صدام"

اعتبر المحلل السياسي والاستراتيجي الروسي، رافيل مصطفين، أن أنقرة "تريد التأسيس لوجود دائم في المنطقة"، وأن موسكو تفضل تأجيل صدام بهذا الشأن في المرحلة الحالية.

واعتبر "مصطفين"، في تصريح لـ"عربي21"، أن موقف تركيا "المتصلب"، بشأن شمال سوريا، يعقد المشهد ويجعل من الصعب صياغة حل يستبعد الخيار العسكري، وهو ما قد يتسبب بنشوب خلاف بين أنقرة وموسكو.


اقرأ أيضا: فايننشال تايمز: قرار ترامب يحول سوريا إلى قنبلة موقوتة

ولفت الخبير الروسي إلى دور مهم للصفقات الكبيرة بين بلاده وتركيا، لا سيما صفقة منظومة "أس400" الدفاعية، في التأثير على مواقف الرئيس فلاديمير بوتين، وتأجيله صداما مع أردوغان، فضلا عن تأثيرات العملية التي يعتزم الأخير إطلاقها على مصالح أمريكا في سوريا، بما يصب في مصلحة روسيا.

بدوره، أكد المحلل السياسي طلال عتريسي أن إيران لا يمكن أن توافق، بالمعنى الإيجابي، على عملية تركية من شأنها القضاء على المسلحين الأكراد، رغم كونهم محسوبين على الولايات المتحدة، وذلك لحسابات الصراع على الساحة السورية، التي تقف فيها أنقرة ضد النظام في دمشق، الذي تدعمه طهران.

إلا أن عتريسي رجّح تفضيل كل من طهران وموسكو "ترك أردوغان وحده في المعركة"، كما فعلت واشنطن تماما، ما يجعل أنقرة تخوض معركة دون غطاء إقليمي أو دولي، وربما ترغبان في أن "تتورط تركيا" بتعثر مشروعها الكبير، المتمثل بتوطين مليوني لاجئ سوري في حزام آمن على طول الحدود.

ووصف عتريسي موقف طهران بأنه "حذر"، مؤكدا عدم رغبتها بقطيعة مع أنقرة، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته أن يقدم النظام، المدعوم إيرانيا، بمساعدة وإمداد الوحدات الكردية في المعركة المقبلة.

جدير بالذكر أن إيران تواجه في هذه المرحلة ضغوطا إقليمية ودولية كبيرة، جراء العقوبات الأمريكية والتوترات في الخليج، وهو ما يتوقع أن يدفعها إلى تفضيل عدم فتح جبهات جديدة، خصوصا أن أنقرة أعربت علانية عزمها تحدي خطوات واشنطن ضد طهران.

التعليقات (0)