هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كادت ردود الفعل الإسرائيلية على تراجع ترامب أمام إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تنفيذ عملية عسكرية شرق الفرات لضمان المصلحة الوطنية التركية، وإعادة ملايين السوريين إلى أرضهم التي اخرجوا منها بالقوة، كادت هذه الردود تخرج عن طورها من شدة الغضب المشوب بالإحباط لدرجة جعلت الكاتب والمفكر الإسرائيلي شمعون شيفر في يديعوت أحرنوت 8-10 يصف الأمر بأنه (خنجر في جسد إسرائيل و ليس فقط تخلي عن الحلفاء في وحدات الحماية الكردية) والذين يحتجزون قضية وحقوق الأكراد الإنسانية والسياسية العادلة رهينة مصالحهم الضيقة في التحالف مع أمريكا وإسرائيل، فلماذا هذا الغضب الإسرائيلي العارم من اليمين ومن اليسار ؟
هل هو بسبب ما بدا ضعفا من قبل ترامب أم بسبب مبدأ التخلي عن الحلفاء؟ أم أنه ناجم عن الشعور بنجاح الأتراك في تحقيق جزء مهم من رؤيتهم لحاضر ومستقبل سوريا على حساب إسرائيل؟
من جهة أخرى وصف المحلل العسكري للقناة التلفزيونية الإسرائيلية 13 الأجواء التي تسود القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بأجواء الهلع على ضوء تراجع ترامب أمام الأتراك، فيما أكد المحلل السياسي لنفس القناة -باراك رابيد- 7-10 أنه لم يكن لإسرائيل معلومة مسبقة عن هذا التراجع الأمريكي، بل إنها تعتبره عملية خطيرة جدا تترك إسرائيل وحدها في سوريا، بينما رأى البرفسور تسفي بار ايل في هآرتس أن إصرار ومثابرة أردوغان آتت أكلها وأثبتت نفسها وأجبرت واشنطن على التراجع، ليس فقط في المسألة الكردية بل في قضايا أخرى كـ" أس400"، وبيع النفط لإيران رغم العقوبات.
أثارت عملية تراجع ترامب المستمرة أمام أردوغان وإيران مخاوف سياسية وإستراتيجية حقيقية لإسرائيل، فالأمن القومي لها يقوم على (رعاية دولة عظمى) فإن تراجعت وانسحبت هذه الدولة ضعفت بالضرورة مكانة إسرائيل وقدرتها على لعب الدور الريادي الذي تريده في المنطقة، فوحدها لا تستطيع مواجهة قوى صاعدة منافسة أو معادية لها كتركيا وإيران واللتان تتمتعان بأفضلية الأصالة في المنطقة و الإقليم، ومع هذا فإن انسحابا أمريكيا معينا لا يعني تخلي أمريكا عن إسرائيل، فما زالت أمريكا تتبنى حماية ورعاية إطماع إسرائيل الحيوية بشكل كامل، ولكنه ( الدلع) الإسرائيلي على شكل على الطلب المستمر بدرجة أعلى و أقصى من الرعاية الأمريكية ولعدد اكبر وأوسع من المصالح والأطماع.
يشكل الدخول التركي لشرق الفرات ضربة قوية لمساعي إسرائيل المستمرة لاستخدام الورقة الكردية بصيغة وحدات الحماية الكردية لتقوية موقفها الإقليمي أمام كل أعدائها ومنافسيها في المنطقة ، كما تمكنها ورقة وحدات الحماية من التأثير الواضح في مستقبل سوريا على ما يحمله ذلك من آثار سلبية على مكانة تركيا وايران.
لقد جاء (الخنجر الأمريكي) -وفق وصف شيفر- في وقت تعاني فيه إسرائيل من أزمات داخلية وخارجية كورطة الانتخابات وتعاظم التهديد الإيراني العسكري ضدها، كما ظهر في امتلاكها صواريخ دقيقة لم تكن في حسبانها، و الأدهى من ذلك وأمرّ ما يبدو كسقوط مراهنة إسرائيل عموما ونتنياهو خصوصا على الصديق الحميم (والجريء) في البيت الأبيض، على ما لهذا الأمر من تداعيات إستراتيجية وسياسية داخلية وخارجية، ومنها المساهمة في أفول نجم نتنياهو في إسرائيل.
وأخيرا يؤكد هلع المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل من عملية عسكرية تركية شرق الفرات عمق الأزمة والحد الذي وصل إليه تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل، والذي بدأ منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم 2002 وتعاظم مع حرب غزة 2009، ووصل لذروة غير مسبوقة في حادث الهجوم على أسطول الحرية لغزة 2010، كما يشير إلى خشية إسرائيل الحقيقية من تعاظم الدور التركي في المنطقة و الإقليم، والذي تراه إسرائيل كمن يأتي بالضرورة على حساب نفوذها و مكانتها.
وعليه فهل يمكن القول بأن عملية شرق الفرات لا تخدم فحسب المصالح الوطنية التركية بل إنها تخدم المصالح الوطنية الحقيقية لشعوب المنطقة؟