هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إلى غاية الجمعة الثالثة والثلاثين من عمر الحراك الشعبي، الذي غيّر
تاريخ الجزائر المعاصر، وقبل شهرين من أوَّل انتخابات رئاسية يُنتظَر أن تكون
نزيهة وشفافة في عهد الجزائر المستقلة، مازال التعامل مع الترشح لمنصب رئيس
جمهورية في الجزائر، أشبه بلعبة قمار أو مغامرة يركبها من يريد، على وزن ما كشفه
الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مرّة عندما قال إنه تصوّر أن يشتغل في كل المجالات،
إلا أن يرأس الجزائر، إلى درجة أن غير المبالين بما يحدث في عالم السياسة، صاروا
يُصبّرون أنفسهم بالمقولة التي ترى بأن أسوأ سيناريو لأسوأ شخص قد يحكم البلاد، لن
يكون أسوأ من الذي فات، وهو سلوك لا يختلف عن الاستسلام لليأس، ورفع الراية
البيضاء في كل معارك الحياة من دون خوضها.
النظر
إلى الخلف وتذكُّر السنوات العجاف التي مرّت على بلاد كان مفروضا عليها الأبله
والأبكم، هو الذي منح الكثير من الوجوه الجرأة لأجل سحب استمارات الترشُّح، ولسان
حالهم يقول إن الجزائر لم يحكمها منذ الاستقلال رئيس من ذوي الشهادات والكفاءة،
وانتهاء برئيس فقد القدرة عن النطق والسمع والحركة، وعلى الشعب الذي قبِل بهؤلاء
جميعا، أن يصبر مزيدا من السنوات، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الذين
كانوا يقولون إن الجيش سيفرض رجلا على الأمّة، كما فعلها في مناسبات كثيرة، ليتم
تسييرُه عن بُعد كما حدث عدة عقود، بدأوا يقتنعون الآن بأن الأمر غير ممكن، في
خلوّ الساحة من رجال الإجماع، لأن الفراغ الذي عاشته الجزائر عدة عقود، وخاصة في
العشرين سنة الأخيرة، من خلال وأد كل نية في وضع القاطرة المنحرفة على السكة، هو
الذي طعن الدولة في الصميم، فانسحب كل من وهبه الله المقدرة والكفاءة، وهجر البلاد
أهلُ الطب والهندسة والقانون والاقتصاد والفن والرياضة، ومنهم من صار قطعة أساسية
في منظومة تطوُّر عدد من بلدان العالم، وتاه من بقي هنا بين "عبقرية"
جمال ولد عباس و"فلسفة" محمد بن حمو و"دهاء" عبد المالك سلال،
وقبِل أن يحكمه رجل لا يُكلّم الشعب ولا يمشي بينهم ولا يستطيع حتى أن يسحب بنفسه
استمارات الترشح، ومع ذلك كان يحكم بلدا بثروة الولايات المتحدة الأمريكية،
وبتعداد سكان إسبانيا وبمساحة البرازيل والهند، وبتاريخ مخطوط بالدماء، من العهد
الفينيقي إلى العهد الفرنسي.
التشخيص
السليم للبلاد، يؤكد بأنها تعاني من العديد من الأورام وفي جميع أعضائها، وبعض هذه
الأورام بلغت مرحلتها الأخيرة، وما عادت بحاجة لجلسات كيميائية أو إشعاعية ولا حتى
لجراحات دقيقة وعاجلة، ومع ذلك يقف طابور من الدجالين والمشعوذين وقارئي الكف،
زاعمين المقدرة على علاجها، وطمعا في أن يحكموا البلاد ويجعلوا قدرها أن تبقى مدى
الحياة.. بين الماء والنار.
عن صحيفة الشروق الجزائرية