بورتريه

أكبر حملة تضامن عالمية مع كاتبة "النصوص الجميلة"

ما تكتبه لا يختبئ خلف الاستعارات المتحذلقة أو التي تشعر القارئ بالعجز والضعف- عربي21
ما تكتبه لا يختبئ خلف الاستعارات المتحذلقة أو التي تشعر القارئ بالعجز والضعف- عربي21
هي الآن حديث الوسط الثقافي العالمي، تساندها أسماء كبيرة ومتوهجة لمثقفين وكتاب كبار.

بعض الكتاب يستحقون الإعجاب لكن هذه الكاتبة على نحو خاص تستحق حقا الثناء الذي أصبغ عليها وعلى رواياتها.

نصوصها مكتوبة بشكل جميل وسلس. روائية مميزة تعد إحدى رواد مدرسة الكتابة التي تصنف ضمن "السهلة الممتنعة" فنثرها يتدفق فوق الورق، كما يقال، مثل ماء منحدر من قمة جبل نحو وادي مخضر.

يقول النقاد إن ما تكتبه لا يختبئ خلف الاستعارات المتحذلقة أو التي تشعر القارئ بالعجز والضعف، تصنع عبر رواياتها شبكة من العلاقات المربكة بين شخصياتها حيث تتصادم الأفكار المختلفة حول الأمة والهوية .

كان سحب جائزة "نيلي زاكس" في مدينة دورتموند الألمانية من الروائية البريطانية كاملة (كاميلا) شمسي المولودة في عام 1973  في كراتشي بباكستان، سقوطا قيميا وأخلاقيا، وتسويقا لوهم الديمقراطية  الغربية وحرية التعبير الانتقائية.

هي ابنة الناقدة الأدبية والكاتبة منيزا شمسي، وكذلك ابنة شقيقة الروائية الهندية الشهيرة عطية حسين، وحفيدة جهانارا حبيب الله. حصلت على البكالوريوس في الكتابة الإبداعية من كلية "هاملتون كوليدج" بأميركا، والماجستير في الفنون الجميلة من جامعة "ماساشوستس أمهرست".

ظهرت أولى روايات كاملة شمسي عام 1988 بعنوان "في مدينة على البحر"، وحصدت من خلالها بضعة ترشيحات وجوائز. وفازت روايتها "حريق منزل" بجائزة الكتابة النسائية في بريطانيا لعام 2018، كما حصلت على جائزة رئيس الوزراء للأدب عام 1999 وعلى جائزة "Patras Bokhari" في عام 2004  اللتين تمنحهما أكاديمية باكستان للأدب.

بالإضافة لظهورها في العديد من القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز الأدبية فقد اختيرت شمسي عام 2000 كواحدة من أفضل كتاب القرن الواحد والعشرين.

تضامنا معها في محنتها الأخيرة وقع  أكثر من 300 كاتب وروائي وكاتبة  في مقدمتهم  نعوم تشومسكي وجون ماكسويل كوتزي و أروندهاتي روي، على بيان مساند وداعم لها، بعد قرار لجنة تحكيم جائزة "نيلي زاكس" بسحب الجائزة الممنوحة لها في أيلول/ سبتمبر الجاري.

وسحبت لجنة التحكيم الجائزة من كاملة، بعد علمهم بتأييدها حملات مقاطعة دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات " BDS" والتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني.

ورغم أن هيئة التحكيم منحتها الجائزة مستشهدة "بكتاباتها التي تبني جسور التواصل بين المجتمعات" إلا أن المثير للدهشة والاستغراب هنا هو أن كاملة مساندة علنية ومعروفة  لحركة " BDS" التي تصب جهودها في مقاومة الاحتلال، وكانت معروفة منذ عام تقريبا حين رفضت من بين كتاب آخرين ترجمة روايتها إلى العبرية في إطار حملة المقاطعة، إذ أن مواقفها معروفة للجميع حتى للجنة الجائزة، وتراجع اللجنة، ربما جاء نتيجة ضغوطات وتشابكات خارجية.

وعادت كاملة شمسي وأكدت مجددا على رفضها نشر أعمالها الروائية في "إسرائيل"، حيث "لا يوجد هناك أي ناشر غير مرتبط بالسلطة" بحسب كاملة، موضحة: "في حالة وجود ناشر يوافق على حملات مقاطعة إسرائيل بالتأكيد سأسمح له بنشر رواياتي".

البيان الذي وقع عليه كتاب وروائيون وشعراء من جنسيات مختلفة، وصفه مثقفون  بأنه أكبر تضامن تاريخي مع كاتب، ونشره موقع " لندن ريفيو بوك".

وأكد نص البيان الذي وقعت عليه أكثر من 40 منظمة يهودية تقدمية، أن "هناك خلطا شديدا بين العنصرية ضد اليهود ومعارضة سياسات إسرائيل ونظام الاحتلال، كما أن هذا الخلط يقوض نضال الفلسطينيين من أجل الحرية والمساواة والعدل، وكذلك النضال العالمي ضد السامية، كما أن هذا الأمر يعمل على حماية إسرائيل من تحمل مسؤولية المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي".

من جانبها قالت شمسي: "لجنة تحكيم الجائزة اختارت سحب الجائزة مني لدعمي حملة سلمية هدفها الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ومن دواعي حزني أن تخضع اللجنة للضغوط، وتقوم بسحب الجائزة".

مؤكدة أنه يجب اعتبار "حركة مقاطعة إسرائيل بذات مستوى وأهمية حركة مقاطعة جنوب أفريقيا ضد سياسيات الفصل العنصري"، مضيفة بأنها تشعر "بالغضب أن حركة مقاطعة إسرائيل باتت تعد أمرا مخزيا."

وتزعم هيئة المحلفين أن الجائزة التي تحمل اسم الكاتبة اليهودية نيللي زاكس الحائزة على جائزة نوبل، مخصصة للكتاب الذين يروجون "للتسامح و المصالحة"، وقد حصل عليها من قبل ميلان كونديرا ومارغريت أتوود. وذكرت لجنة التحكيم: "إن مواقف شمسي ومشاركتها الفعالة في المقاطعة الثقافية لإسرائيل يتعارض بوضوح مع الأهداف القانونية للجائزة".

وكان البرلمان الألماني اقر اقتراحا وصف حركة المقاطعة "BDS" بأنها "معادية للسامية"، فيما انتقد 60 أكاديميا يهوديا هذا الاقتراح، وقالوا في خطاب مفتوح إنه جزء من اتجاه "وصف مؤيدي حقوق الإنسان الفلسطينية بأنها معادية للسامية".

في هذا السياق قالت الرئيسة التنفيذية لـ"مؤشر إندكس للرقابة" جودي غينسبرغ: "إنه من المقلق للغاية أن شمسي قد تم تجريدها من الجائزة بسبب آرائها الشخصية"، وأضافت: "إن هذا يحقق بالضبط عكس ما حاولت هذه الجائزة نشره من خلال منحها للكتاب، لأنها تعمل ضد التسامح والتفاهم، وتمنع جائزة عن كاتبة بسبب دعمها لحركة تمارس حق المقاطعة في إطار سياسي غير عنيف."

عرف القارئ العربي الكاتبة كاملة شمسي من خلال رواية "ظلال محترقة" التي ترجمت إلى العربية " وبيع منها أكثر من 20 مليون نسخة حول العالم، ورواية "حريق منزل"، ومن رواياتها أيضا  "في المدينة بجوار البحر" و"الملح والزعفران" و"أشعار متكسرة".

قرار سحب الجائزة الألمانية من كاملة (كاميلا) سيكون بالتأكيد على هامش حياتها الإبداعية الحافلة بالإشادة ، لكنه في نفس الوقت يعري زيف ادعاءات البعض بأنهم يعملون على قيم التسامح، وجاء لصالح الكاتبة الاستثنائية التي استقطبت ردود الفعل المناصرة من المتابعين من خلفيات وجنسيات وأديان متعددة تضع القائمين على الجائزة في صف سياسة الفصل العنصري وهدم المنازل وقتل الأبرياء في فلسطين المحتلة والاستيطان وغيرها من ممارسات عنصرية؟

ربما تجيب روايتها "الظلال المحترقة" على ما حدث مع الجائزة "المرتجعة" فهي عبارة عن بانوراما لأهم حروب العالم، التي عرفتنا على الآم البشر العاديين، الذين يتم سحقهم تحت الأقدام لأهداف ومصالح لا يفقهون عنها شيئا.

وستبقى رواياتها مشحونة بالعاطفة والجمال وبكل هذا الحزن بهذا الأسلوب الجميل الذي سيبقى يتدفق دون توقف.

0
التعليقات (0)