هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تجدد الجدل في الفترة الأخيرة حول الأخطار التي تهدد مدينة الإسكندرية، ثاني أكبر المدن المصرية، ومعها دلتا النيل، بسبب التغيرات المناخية، وما تسببه من ارتفاع منسوب المياه في البحر المتوسط بشكل يهدد بغرق مساحات كبيرة منها.
وقالت تقارير دولية متعددة إن الإسكندرية باتت تواجه الآن خطرا وجوديا، وإن المدينة العريقة التي تم بناؤها منذ آلاف السنين باتت مهددة بالغرق خلال سنوات قليلة، وأشارت إلى أن السلطات المصرية تحاول التصدي لهذا الخطر المحدق؛ عبر إقامة حواجز خرسانية داخل البحر.
تحذيرات متعددة
وبحسب تقرير للبنك الدولي صدر العام الماضي، فإن مصر هي واحدة من البلدان الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ، خاصة في ظل معدلات الفقر المرتفعة والنمو السريع للسكان.
وحذرت دراسة أجرتها اللجنة المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، من أن مستويات سطح البحر العالمية قد ترتفع من 0.28 إلى 0.98 متر بحلول عام 2100، وتنبأت بأنه قد يتم غمر ما يصل إلى 734 كيلومترا مربعا من دلتا النيل بحلول عام 2050، و2660 كيلومترا مربعا بحلول نهاية القرن الحالي، ما يؤثر على حياة 5.7 مليون شخص في مصر.
وفي آب/ أغسطس الماضي، حذرت وكالة "أسوشييتد برس" العالمية من أن الإسكندرية، التي يسكنها أكثر من 5 ملايين نسمة، تتعرض لخطر حقيقي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط الناتج عن ذوبان الجليد بفعل ارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى أن العديد من أحياء المدينة العريقة ومبانيها الأثرية، المحاطة بالبحر من ثلاث جهات، مهددة بالغرق جراء ارتفاع منسوب المياه بشكل متواصل، والتي ستصل إلى ثلاثة أقدام بحلول عام 2100.
أما وكالة "رويترز"، فقالت في تقرير لها إن مستوى سطح البحر المتوسط ارتفع بمعدل 1.8 ملليمتر سنويا حتى عام 1993، وإن الارتفاع وصل إلى 3.2 ملليمتر في السنة منذ عام 2012، مشيرة إلى أن الخطر يتزايد على أراضي الإسكندرية ودلتا النيل؛ بسبب السدود التي بنيت على نهر النيل، والتي تمنع ترسب الطمي وتجدد الشواطئ.
إجراءات لمواجهة الخطر
وتعليقا على التهديدات التي تتعرض لها المدن المصرية الساحلية، وعلى رأسها الإسكندرية ومدن دلتا النيل، قال خبير المناخ والمتحدث باسم هيئة الأرصاد الجوية بمصر إن مصر تسابق الزمن منذ سنوات طويلة، وإن الحكومة تبذل جهودا عديدة لحماية المدينة الساحلية عبر إقامة الحواجز الخرسانية داخل مياه البحر المتوسط؛ لمواجهة تآكل الشواطئ جراء ضربات الأمواج وارتفاع مستوى مياه البحر، وكذلك بناء أسوار ودفاعات بحرية؛ لحماية شواطئ الإسكندرية، ومنع تآكلها، ووقف عمليات النحر.
وأوضح سعودي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن الحكومات المصرية المتتالية تقوم بتنفيذ العديد من الإجراءات الحقيقية على الأرض لمواجهة هذه الكارثة منذ أكثر من عشر سنوات، لافتا إلى أن مصر قامت بإنشاء العديد من المدن الجديدة البعيدة عن المناطق المهددة بالغرق، والتي يمكنها استيعاب الآلاف من المواطنين في أوقات الكوارث.
وقال إن الحكومة شددت على ضرورة الالتزام بتنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية ذات الصلة، كما أنها وقعت على اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، مشيرا إلى أن مصر كثفت من إجراءاتها لضبط مستويات الملوثات المنبعثة من المصانع ووسائل المواصلات المختلفة، حتى تقلل من التأثيرات السلبية على مناخ الأرض.
وأكد خبير المناخ أن التقارير التي تتحدث عن قرب غرق المدن الساحلية المصرية خلال أشهر أو سنوات قليلة عارية تماما من الصحة، مشيرا إلى أن زيادة مستوى المياه، حتى الآن، لا تمثل خطورة تذكر على السواحل المصرية.
وأشار وحيد سعودي إلى أن هناك بعض الأغراض السياسية وراء إثارة هذه المخاوف، لافتا إلى أن الدول الكبرى تمثل التهديد الأكبر والأبرز على مناخ الأرض، وهي المطالبة أولا بتقليل الانبعاثات الحرارية والملوثات لمواجهة هذه المخاطر عبر تعديل الصناعات والمجالات الاقتصادية التي تدر عليها مئات المليارات من الدولارات.
الدلتا في خطر أكبر
من جانبه، قال خبير شؤون البيئة مجدى علام إن أكثر المناطق التي ستتعرض لتأثيرات التغير المناخي هي "دلتا النيل"، لافتا إلى أنه من المتوقع أن تتعرض نحو 250 ألف فدان في شمال الدلتا، عند ارتفاع مستوى سطح البحر 50 سم عن الوضع الحالي بسبب التغير المناخي، إنما لم تكن قد بدأت تلك التأثيرات بالفعل.
وأوضح علام، في تصريحات تلفزيونية الثلاثاء الماضي، أن الحديث حول تأثر مدينة الإسكندرية بشكل أكبر ليس صحيحا؛ لأن المدينة مرتفعة عن مستوى سطح البحر، لكن الدلتا هي المعرضة للخطر الأكبر من ارتفاع مستوى مياه سطح البحر، إضافة إلى تلوث المياه الجوفية بمياه البحر المالحة، التي هي أقل كثافة من المياه العذبة، لذا فإنها ستطفو على السطح وتسبب تملح التربة.
ولفت علام إلى مشكلات أخرى في مصر جراء التغيرات المناخية، من بينها ظاهرة التصحر، حيث تفقد البلاد سنويا نحو 25 ألف فدان، إضافة إلى تأثر الأراضي الزراعية الموجودة بالحزام الساحلي الشمالي، والتي تقدر بنحو 350 ألف فدان بسبب ظاهرة الجفاف، حيث تنزاح الأمطار إلى البحر المتوسط بدلا من أن تسقط على هذه الأراضي.