أثار أشجاني مقال الكاتب آزاد عيسى في موقع ميدل إيست آي، والذي نشرت له ترجمة باللغة العربية في موقع "عربي21"، بما ذكره من دور لعبته عملية السلام بين العرب والصهاينة، وبين الفلسطينيين والصهاينة بشكل خاص، في تحويل
الهند من بلد معارض للصهيونية يتبنى مقاطعتها واعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية إلى دولة تشتري ما لا يقل عن أربعين بالمائة مما يبيعه الصهاينة من سلاح، بل ودولة تحاكي الصهيونية وتسعى إلى استنساخها فكراً وسياسة وإجراءات، ليس فقط ضد المسلمين في كشمير التي تحتلها الهند منذ أن احتل الصهاينة فلسطين قبل ما يقرب من سبعين عاماً، بل وضد المسلمين في كافة أرجاء شبه القارة الهندية.
يذكر الكاتب في مقاله أن الهند كانت واحدة من اثنتين وسبعين دولة، معظمها مستعمرات سابقة، هي التي وقفت في أوج الحرب الباردة بين العملاقين أمريكا وروسيا من وراء قرار رقم 3379 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتبر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية مقارناً دولة إسرائيل بدولة جنوب أفريقيا التي كان نظامها السياسي يقوم على الفصل العنصري بين البشر بناء على ألوان بشراتهم وأعراقهم.
ثم بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها ودعت الولايات المتحدة في عام 1991 العرب والصهاينة إلى مؤتمر مدريد لبدء عملية التفاوض على إقامة السلام بينهم انطلاقاً من قرارات الأمم المتحدة 242 و 338، اشترطت إسرائيل مقابل مشاركتها في المؤتمر أن تتراجع الأمم المتحدة عن قرارها الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية. وفعلاً، تم لإسرائيل ما أرادت، ولكن لم يكن ذلك فقط ببساطة من خلال إعادة التصويت في الجمعية العامة، بل سبق ذلك جهد محموم قامت به منظمة التحرير الفلسطينية لإقناع الدول التي طالما دعمت الفلسطينيين ووقفت معهم وخاصمت أعداءهم بتغيير موقفها، وكانت الهند من تلك الدول.
منذ ذلك الحين، والعلاقات بين الكيان الصهيوني والهند تتعزز، إلى أن تتوجت في 2017 بقيام الهندوسي المتطرف، رئيس الوزراء الهندي، مودي بزيارة إلى إسرائيل ، كانت الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي على رأس عمله. وحينها قال نتنياهو عن الزيارة إنها "أطاحت بآخر الجدران التي كانت تفصل بين بلدينا."
يقول أزاد عيسى في مقاله إن الهند التي كانت ذات يوم تعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، باتت في حالة من الوئام والتفاهم مع إسرائيل وتعاون لا يقتصر على شؤون الدفاع، وبات الطرفان شركاء فيما يسمى "الحرب على الإرهاب"، والذي يعني في واقع الأمر الحرب على الإسلام. أما القضية الفلسطينية، فقد تراجع تضامن الهند معها منذ مطلع الألفية الحالية، ولم يبق منه "سوى المجاملات ودبلوماسية الاحترام المتبادل."
تفتح مقالة آزاد عيسى جروحاً قديمة متجددة إذ تأتي في ذكرى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية رداً على اقتحام مجرم الحرب الصهيوني آرييل شارون حرم المسجد الأقصى في شهر سبتمبر / أيلول من عام 2000. والحقيقة التي باتت معلومة لدى كثير من الناس أن تلك الانتفاضة لم تكن بعفوية سابقتها التي فجرها الشعب الفلسطيني في ديسمبر / كانون الأول من عام 1987. بل جاء انطلاق انتفاضة سبتمبر عن سابق قصد وإعداد، وبإشراف مباشر من ياسر عرفات نفسه، الأمر الذي لم ينسه له الإسرائيليون ولا لمن كان معه من العناصر الفاعلة فيها داخل حركة فتح، وعلى رأسهم مروان البرغوثي، الذي مازال أسيراً لدى الاحتلال عقاباً له على دوره في إشعال تلك الانتفاضة.
حينما أشعل ياسر عرفات فتيل الانتفاضة الثانية لم يكن ينوي إلغاء أوسلو. كل ما هنالك أنه توهم أن بإمكانه لي ذراع الإسرائيليين وحملهم على تعديل ما كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك يريدان فرضه عليه في كامب دافيد. ولكن الإسرائيليين أرادوا تلقين كل من يتعامل معهم في سلطة أوسلو درساً لا ينسوه، فدمروا مؤسسات السلطة، وحاصروا رئيسها ثم قتلوه. ولذلك، ومنذ اغتيال ياسر عرفات على يد الصهاينة بواسطة بعض أقرب المقربين إليه في الأغلب، لم يجرؤ أحد من أزلام أوسلو على تحدي الإسرائيليين في شيء لأنهم أسرى لديهم، بل ربما كان وضعهم أسوأ من وضع الأسرى: إنهم أشبه بالعبيد.
كان ياسر عرفات بشهادة كثير ممن عرفوه عن كثب داهية. ولعل دهاءه ذلك غره، فظن أن بإمكانه أن يحصل على دولة من براثن الاحتلال الصهيوني، ثم أقنع نفسه بعد ذلك أن لديه شركاء سلام حقيقيين في المنظومة الصهيونية، فبكى على رابين وتعلق ببيريز، ولم يفق من غفلته ويكتشف حمق ما أقدم عليه إلا بعد أن تعرض لإذلال غير مسبوق في اجتماعات كامب دافيد عام 2000، وأدرك أنه سيخرج من العملية التي انخرط فيها بعار وخزي يرتبط بسيرته وتستنكره الأجيال جيلاً بعد جيل. سقط حينها أمام ناظريه وهم "الأرض مقابل السلام" الذي تعلق بأحباله حيناً من الزمن. ظن للوهلة الأولى أنه لو استخشن قليلاً مع الصهاينة فقد ترق له أفئدتهم ويبادروه بشيء من العطف والإحسان. ولكن الصهاينة ككل مستعمر لا يعرفون لا شفقة ولا إحساناً، ولا يتنازلون لضعيف مستكين، ولا يتراجعون أمام مستسلم ذليل، ولا يقهرهم إلا قوم لم يلتبس عليهم الأمر، فلم يبدلوا ولم يغيروا، ولم يرضوا الدنية لدينهم أو أمتهم، ولم يتخلوا عن الجهاد في سبيل الله، إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل.
وتظل المصيبة الكبرى التي منيت بها قضية فلسطين منذ النكبة تحول حركة تحررها - وأقصد بها حركة فتح التي باتت المهيمنة على منظمة التحرير بعد أن أضفيت عليها زوراً وبهتاناً صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني - إلى إدارة (سلطة أوسلو) مكلفة بالسهر على حراسة الغزاة الصهاينة، تلاحق من يشك في تهديده لأمن المستوطنين أو جنود الاحتلال بينما لا تملك الدفاع عن أي من ضحاياهم أصحاب الأرض وأبناء الوطن.
إنها حالة تكاد تكون نادرة في تاريخ نضالات الأمم والشعوب.