هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أحداث دراماتيكية في مدينة الفاشر بإقليم، ألغت ندوة سياسية لقوى إعلان الحرية والتغيير التي تتسيد المشهد السياسي في السودان، عقب الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/أبريل الماضي، الأمر الذي أكد عمق الأزمة بينها وبين حركات دارفور المسلحة التي كانت وراء تلك الأحداث.
فلم تكن تلك الحركات المسلحة تعارض نظام البشير فحسب، وإنما كانت تعارض الدولة السودانية بتركيبتها التي ورثتها منذ استقلال البلاد عن
بريطانيا في 1956. وقال أحد القياديين بالحركات المسلحة إن سلاحهم لم يرفع فقط ضد
نظام البشير، وإنما رقع ضد كل الأفكار المركزية والبرامج التي تحملها الكثير من
الأحزاب المنضوية تحت تحالف الحرية والتغيير، والتي يرى أنها نسخة من النظام
السابق.
ورفضت الجبهة الثورية، وهي تحالف يضم هذه الحركات
المسلحة، الاتفاق الموقّع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، الذي بموجبه يتم تشكيل هياكل السلطة الانتقالية بشقيها السيادي ومجلس الوزراء.
ووقعت حادثة الفاشر حينما قام عشرات الحاضرين بمنع
مندوبي الحرية والتغيير من الصعود إلى المنصة، ولم يكتف المحتجون بمنعهم من مخاطبة
الحضور، بل لاحقوهم عبر رشقهم بالحجارة حتى بعد إجلائهم إلى سياراتهم، ما أدى إلى تهشيم
زجاج عدد منها. واتهمت قوى الحرية والتغيير بشكل مباشر الحركات المسلحة وقالت في
بيان لها إن حركتي العدل والمساواة، وتحرير السودان، مسؤولتان عن أحداث تلك الندوة.
لقد ظلت هذه الحركات تقاتل الحكومة المركزية في الخرطوم
بشراسة لنحو 16 عاما. بيد أنها لم تحقق نصرا معلوما، وفي الوقت ذاته لم تتمكن
الخرطوم من القضاء عليها؛ حتى إن النظام السابق لجأ للاستعانة بملشيات قبلية، عرفت
فيما بعد بقوات الدعم السريع التي يشغل قائدها اليوم منصب نائب رئيس مجلس السيادة، الذي يرأسه الفريق عبد الفتاح البرهان.
ومنذ اندلاع شرارة التمرد المسلح في 2003 جرت مياه كثيرة
تحت الجسر، فقد ضربت رياح الانقسامات حركات دارفور المسلحة وفرقتها شيعا كل حزب
بعصبيتهم يفرحون. فتلكم الرياح العاتية، فضلا عن لهيب الحرب وأهوالها أدى إلى
توالد الحركات وتشظيها وتكاثرها، مما ساهم في استعصاء الحل السياسي.
لعل حالة التشظي والانقسامات العنيفة بين صفوف حركات
دارفور، تعطي مؤشرا قويا لغياب الرؤية السياسية المتماسكة المفضية لتحقيق أهداف
الثورة أو الانتفاض. وليس واضحا لدى هذه الحركات ما إذا كانت تقوم بثورة مسلحة أم
غير ذلك. فالتيار الثوري عادة يحمل أفكارا تؤمن بالثورة المسلحة كخيار ضد
الاستعمار.
وحتى ما يعرف بالكفاح التحرري، فإنه نشاط مقاوم في
المناطق التي تخضع للاستعمار، ويتخذ أشكالا مختلفة إما سياسية أو عسكرية أو
كليهما، معبرة عن رفض الاستعمار. أما المقاومة فهي رد فعل سياسي أو عسكري يعبر عن
رفض التدخل الأجنبي (الاستعمار). فكل هذه الأشكال تتحدث عن الاستعمار، بينما لا
تنطبق صفة الاستعمار بالضرورة على الحكومة في الخرطوم التي تقاتلها الحركات
المسلحة.
ولا بد من الأخذ في الاعتبار أن قضية دارفور قضية وطنية
عادلة، يجب أن تتعهدها الأحزاب السياسية والتنظيمات المسلحة، من خلال عمل سياسي
راشد، يحقق البديل الأفضل للشعب والوطن، فالنضال أسلوب كفاحي يعبر عن توجه السياسي
أو فكري. وستتمكن هذه المكونات الوطنية من إرساء السلام في دارفور، إذا استجابت إلى
ضرورة الالتفاف حول منهجية سياسية.
وتخطئ الحركات المسلحة إن استمرت في تصوير الصراع بأنه
صراع هوية؛ فقد شهدت الأجزاء الشمالية في كل من دارفور وتشاد التي تحادد السودان
من ناحية إقليم دارفور المترامي الأطراف، قيام دول إسلامية تأثرت تأثرا قويا
بهجرات القبائل العربية التي انداحت من الشمال والشرق، والتي وجدت في أراضي السودان
وتشاد امتدادا طبيعيا لحياة البدو العرب من البيئة الصحراوية.
لقد كانت دارفور مملكة إسلامية مستقلة حكمها عدد من
السلاطين، كان آخرهم وأشهرهم السلطان علي دينار، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى
أيد سلطان دارفور الدولة العثمانية، التي كانت تمثل مركز الخلافة الإسلامية. ولهذا؛ فليس من صالح أي كيان سياسي أو عسكري المساس بأحد أركان الهوية الدارفورية المتمثل
في الثقافة العربية والإسلامية.
عن صحيفة الشرق القطرية