هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها في القاهرة ديكلان وولش، يتطرق فيه للنقد المتزايد من استخدام النمطيات المنتشرة في مجال الترفيه العربي القائمة على السخرية من أصحاب البشرة السوداء، في محاولة من الممثلين للحصول على ضحكات رخيصة من المشاهدين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ما ورد في عرض كوميدي ليبي كانت فيه عربة أطفال، حيث يغلق باب المصعد عليها فاصلا الأم، الممثلة التي دهنت وجهها بالأسود عن العربة، وتظهر كاميرا خفية وجود ركاب عاديين في المصعد، وتصرخ الأم برعب قائلة: "انتبهوا لأطفالي"، وعندما يفتح باب المصعد ويدفع الركاب العربة يقفز منها قردان.
ويعلق وولش قائلا إن "الوجوه السوداء طالما كانت صورة عن الترفيه التي تعود في جذورها إلى أمريكا القرن التاسع عشر، لكنها في العالم العربي لا تزال حية وبصحة جيدة، حيث تستخدم الوجوه السود لإضحاك المشاهدين".
وتقول الصحيفة إن هذه الممارسة تعد مؤذية جدا، لدرجة أن اكتشاف وجه أسود في كتاب تخرج لمدرسة طبية جعل حاكم ولاية فيرجينا رالف نورتهام يواجه دعوات بالاستقالة، وفي إيطاليا أجبرت شركة الطيران "أليتاليا" على سحب إعلان في تموز/ يوليو؛ لأن ممثلا بوجه أسود ظهر فيه ليؤدي دور الرئيس السابق باراك أوباما.
ويلفت التقرير إلى أنه في العالم العربي، الذي تنتشر فيه العنصرية، من النادر مناقشة الموضوع، إلا أن حعل الوجه أسود لإضحاك الناس بات محلا للنقاش والنقد على وسائل التواصل الاجتماعي، بل إنه أدى أحيانا إلى الاعتذار، مستدركا بأن الممارسة لا تزال قائمة وحاضرة في البرامج التلفازية.
ويجد الكاتب أن مشهد القرود الذي ظهر في قناة تلفازية ليبية خاصة كان مثالا فاضحا، إلا أن الكوميديا في كل من الكويت ومصر أظهرت وجوها سوداء، وكذلك فيديو لمغن لبناني معروف، مشيرا إلى أنه تم بث عدد من المسلسلات في شهر رمضان، وهو الموسم الأعلى الذي تبث فيه المسلسلات والبرامج ويقبل الناس على مشاهدتها بعد الإفطار.
وتفيد الصحيفة بأن الفنانين الذين يقومون بهذه الممارسات يرون أنها ليست مضرة وهي مجرد نكت خفيفة، وتقول الممثلة المصرية شيماء سيف، التي وضعت وجها أسود في برنامج عرضته قناة "أم بي سي": "هي مجرد كوميديا".
ويستدرك التقرير بأن الدولة المستهدفة في هذه الممارسات هي السودان، الذي كان حتى وقت قريب أكبر دولة في أفريقيا، وغالبية سكانه من المتحدثين باللغة العربية، مشيرا إلى أن استخدامه موضوعا كوميديا فيه الكثير من الضيم.
ويورد وولش نقلا عن الكاتبة السودانية سارة الحسن المقيمة في الولايات المتحدة، قولها إن استخدام الوجوه السوداء في الكوميديا "يثير الاشمئزاز ومضر"، وهي "ليست عن لون البشرة لكن عن النمطيات"، وأشارت إلى مجموعة منها في الكوميديا العربية، وهي أن "الأشخاص السود كسالى، ولا يتحدثون اللغة العربية جيدا، وفي حالة كونهم سودانيين فلديهم لهجة مثيرة للسخرية، أو أنهم مستلقون على أسرتهم ونائمون".
وتقول الصحيفة إن الكثير من مستخدمي منابر التواصل الاجتماعي وبعد سنوات من تجاهل الموضوع باتوا يصبون جام غضبهم على المسلسلات الدرامية، ويطالبون بالتغيير، ففي ليبيا دعا الناشط نادر الغادي، في تغريدة له إلى معاقبة المسؤولين عن المشهد الهزلي لعربة الأطفال والقرود.
وينقل التقرير عن الناشط، قوله في مقابلة معه إن المشهد يعكس التحيزات من حوالي 600 ألف مهاجر أفريقي يعيشون في ظروف قاسية، وشعر بالراحة لقيام الكثير من الليبيين بمشاركة تغريدته، الذين عبروا عن معارضتهم لما تم بثع، وقال إن هذه "خطوة أولى جيدة"، لافتا إلى أن قناة "الأحرار"، التي بثت المشهد، لم ترد على أسئلة الصحيفة.
ويستدرك الكاتب بأنه في حالات أخرى لم يكن للغضب العام أي أثر، فظهرت الممثلة المصرية سيف، التي لعبت دور امرأة سودانية مملة في مشهد تشتم وتشرب وتتحدث لغة غير مفهومة في الحافلة، وفي لقطة ثانية تقوم بإعطاء ابنها الصغير زجاجة للتبول بها، وفي لقطة أخرى تحاول إجبار مسافر على أخذ زجاجة من الفودكا الروسية، وهذا امر محرم في المجتمع الإسلامي المحافظ.
وتبين الصحيفة أنه بعد أن احتج السودانيون، وملأوا صفحتها بالتعليقات الناقدة، فإنها ظهرت على شبكة "أم بي سي" لتوضيح الموقف، وبدلا من الاعتذار زادت من سخريتها، قائلة: "لا تغضبوا، لم يكن هناك قصد".
ويجد التقرير أنه مهما كانت النية وراء هذه الاسكتشات الساخرة فإنها تزيد من درجة التسامح مع العنصرية، التي تتخذ عدة أشكال في العالم العربي، مشيرا إلى أنه لم يتم إلغاء العبودية في عدد من دول الخليج إلا عام 1970، فيما لا تزال كلمة "عبد وعبيد" تستخدم لوصف الناس من أصحاب البشرة الداكنة.
ويورد وولش نقلا عن قول عبدالله الحسن (24 عاما)، الذي يدرس الأفلام، قوله إن ما يبث على الشاشة ينعكس على تصرفات الناس في الشوارع، لافتا إلى أنه قام بتجميع عدد من الأمثلة عن العنصرية في البرامج التلفازية والسينمائية المصرية خلال العقود الماضية.
ويقول الحسن: "أحيانا يناديني الناس بأسماء يعتقدون أنها مضحكة"، ويضيف الحسن، الذي نشأ في السعودية ومصر: "يعتقدون أن الأمر عادي لأنهم شاهدوا (قفشات) على التلفزيون".
وتفيد الصحيفة بأنه كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن الوجه الأسود في العالم العربي متجذر في تاريخ الاضطهاد، فعلى مدى قرون قام تجار الرقيق العرب بنقل الأفارقة في القوارب إلى دول الخليج، مشيرة إلى أن خدم المنازل يواجهون اليوم انتهاكات وتحرشات واسعة في المنطقة.
وينقل التقرير عن الباحث المستقل في مجال حقوق الإنسان نيكولاس ماكيهان، قوله: "تستمر النمطيات العرقية، بما فيها فكرة الممارسات الثقافية الغريبة للسود التي تدفعهم للسرقة.. وهو ما قد يقود إلى انتهاكات مرعبة، بما في ذلك الضرب الجسدي".
وينوه الكاتب إلى انه في حالة نادرة قامت محكمة في بلجيكا بمحاكمة 8 أميرات من الإمارات العربية المتحدة في عام 2017، بتهمتي الاتجار بالبشر وسوء المعاملة للعاملات المنزليات.
وتؤكد الصحيفة أن العنصرية العفوية مستشرية في بقية العالم العربي، ونادرا ما يتم معاقبة من يطلقونها، ففي لبنان يتم منع العاملات المنزليات الإثيوبيات من دخول النوادي الاجتماعية أو الشواطئ، مشيرة إلى أن مغنية البوب اللبنانية ميريام فارس أثارت ردة فعل سلبية عندما نشرت فيديو موضوعه الرئيسي غابة، دهنت فيه جسدها بالأسود.
ويشير التقرير إلى أن العنصرية تظل مشكلة حتى في الدول التي تعد هدفا للعنصرية، كما في السودان، الذي عانى فيه السكان من أصحاب البشرة الداكنة في دارفور من اضطهاد تاريخي مارسته عليهم القبائل الأقوى منهم.
ويلفت وولش إلى أن العنصرية لا تقتصر على الشرق الأوسط، فقد شهدت أستراليا حادثا في عام 2016، فدهن الأستراليون وجوههم بالأسود تحية للرياضيين والنجوم السود، مثل كاين ويست وسيرينا ويليامز، وبعد عام قامت شركة "واتسون" في ماليزيا بسحب إعلان يظهر رجلا خائفا من امرأة بوجه أسود، وفي آذار/ مارس هوجمت ممثلة مكسيكية لارتدائها قناعا بنيا يسخر من أول ممثلة محلية يالتيزا أباريكيو.
وتقول الصحيفة إنه من النادر ما يعتذر البعض عن الهجمات العنصرية، مع أن قانونا في مصر يجرم التعليقات العنصرية في البرامج الإعلامية، إلا أن هذا القانون لم يؤد بعد إلى محاكمة تؤدي إلى إسكات السخرية العنصرية، مشيرة إلى أنه علاوة على هذا فإن السكان المصريين من أصحاب البشرة الداكنة لا يزالون غير ممثلين بشكل حقيقي في الثقافة الشعبية المصرية.
ويورد التقرير نقلا عن مؤسس المرصد المصري للتخلص من العنصرية محمد عزمي، قوله: "من النادر أن يكون هناك ممثل شعبي أسود.. السينما المصرية هي سينما الرجل الأبيض".
ويستدرك الكاتب بأن الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي بدأوا بالتساؤل عن السخرية العنصرية من السود، مشيرا إلى أنه بعد تعرض محطة التلفزيون الحكومية في الكويت للانتقاد في العام الماضي؛ بسبب مسرحية هزلية استهدفت السودانيين، توجه الممثل البارز فيها حسن البلام إلى "إنستغرام" للاعتذار.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول حسن البلام إنه لن يؤد أدوارا كهذه، "وأطلب المغفرة من الجميع".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)