أيهما أكثر عنصرية: العنصرية القومية أم العنصرية الدينية؟
النشاط الإشعاعي للعنصرية النووية المتفجرة المدمرة على أشدّه، وكما تشوّه الإشعاعات النووية البنية البشرية، فتدمر الخلايا.. كذلك تفعل العنصرية بالنفس البشرية فتفسدها وتجعلها شوهاء.
وهي أول مرض انتاب بني البشر، وكان أول انفجار لها عند الشيطان حسدا لآدم الذي نفخ الله فيه من روحه، وهما من عنصرين مختلفين: الطين والنار، ثم بين ابني آدم، وهما من عنصر واحد، ومن أب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء، ويردّها القرآن أيضا إلى وسوسة الشيطان.. وكان ثمة فارق زمني بينهما الولادة وسبق الخروج من الرحم.. تحوّل التباين الزمني إلى فارق إنتاجي واقتصادي. وحسب المرويّات التوراتية، كان أحدهما فلاحا والثاني راعيا.. القرآن الكريم يردّ التفاضل إلى التقوى، أي أنه كان بكلمات معاصرة؛ صراعا في الدين الواحد، وحسب تأويل معاصر: كان الفلاح إسلاميا والثاني علمانيا، وقد قتل العلماني الإسلامي ونحن أبناء العلماني. وحسب قول شائع: نبكي العم القتيل لكننا نحب أن نعيش عيشة العلماني الدنيوية، فنحن نتنازع حول الاثنين. والقرآن الكريم يؤكد هذا بقوله: بل تحبون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى.
وكانت النازية عنصرية مرتين، مرة بتفضيل العرق الألماني على غيره من الأعراق، ومرة بتفضيل الألمان المتفوقين صحيا وبدنيا على الألمان الضعفاء؛ الذين أُعدموا وحُوّلوا إلى صابون كما تقول وثائق التاريخ.
وتتأجج العنصريات بتبنّي الملوك لها. وقد
نشطت العنصرية بسبب رئيس العالم، الرئيس الأمريكي ترامب، الذي خرج أمس ينفي تهمة العنصرية عن نفسه، وزعم أنه وفّر أكبر فرص عمل للسود في التاريخ الأمريكي، وذلك برهان عجيب. وسرّب تيم نافتالي، أستاذ التاريخ في جامعة نيويورك، مكالمة نشرتها صحيفة "الصن" البريطانية، يصف فيها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان؛ مندوبين أفارقة لدى الأمم المتحدة بـ"القردة"، وذلك في مكالمة سرية مع الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون.
وتُجمع آراء الحكماء على أن الغرب يتبنى الطغاة لقدرتهم على حماية الحدود الأوربية وعلى حبس شعوبهم، إن لم يكن الغرب الدارويني العقيدة هو الذي ولاّهم مكانتهم التي هم عليها، كما نعتقد.
الفخر منتشر في أشعار العرب، لكن فخر الشقر الأوربيين هو باحتقار الآخرين، وتسمى في الأدبيات الدراسية "المركزية الأوروبية"، بينما كان فخر العرب بمديح الذات والأجداد وكرمهم وفروسيتهم، غير أن الدول الأوروبية أفضل ملاذا للنازحين من الدول العربية الغنية بالذهب الأسود الذي جعل قلوبها سوداء، وذلك لحسن إدارة الغرب وحاجته للطاقات البشرية وإغناء موارده.
وقد اشتد بحث الناس عن أصول الرؤساء، ووجدوا أن ترامب ألماني الأصل، وأن جونسون شركسي تركي، وكلاهما أشقر ومخلص ومركزي أوروبي. تطوع علي جمعة، مفتي الديار المصرية، زاعما في قول لا يفيدنا، بل في ما يضرنا؛ أن الملكة البريطانية من آل البيت، وخاطب مروان شيخو الأسد الأب مداهنا، منافقا بابن فاطمة الزهراء، وكانت تلك إشارة طائفية ناعمة، وردّ صدام أصله إلى آل البيت أيضا. الرئيس المصري الذي ظهر من يانصيب غربي، وحده لم يدّعِ الانتساب إلى الأصل النبوي، فصورة له مع ترامب تعادل الدنيا وخير من طلعت عليه الشمس.
ونقل ناشطون أن عبد الفتاح السيسي بنى لنفسه مقبرة منذ أكثر من عشر سنوات، وعلى باب المقبرة آية قرآنية واحدة من سورة يوسف عليه السلام: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"، والصحيح أن يكتب "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِما وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ". وقد أسقطت منها جملة: توفّني مسلما. الرجل لا يريد أن يتوفى مسلما، وإذا صدقت الصورة والخبر فإن الرجل وفيّ لدينه ولا يريد أن يموت على دين المسلمين "الإرهابيين".
الأسوار تبنى بين أمريكا والمكسيك وبين إسرائيل و"الغوييم" الأغيار أصحاب الأرض، والأسوار المعنوية الطائفية والعرقية مزدهرة في الأرض كلها، وقد أخصبت بتولّي ترامب سدة العرش الأمريكي.
قرأنا خبرا يقول إن الصين الكونفوشية الشيوعية أفرجت عن مليون مسلم من الإيغور، ولعل وعسى أن ينال الفرج 20 مليون سوري و100 مليون مصري.
يجاهد الغرب في أن يبقى هؤلاء الرؤساء سجانين يمنعون شعوب هذه البلاد من الحرية، ويسرقون خيراتها على شكل صفقات أسلحة ومواد خام، فالغرب يحرص كل الحرص على بقاء الشعوب غير البيضاء خارج السباق الحضاري.
يمكن أن يغيّر المرء دينه، فهناك أديان مثل الإسلام والمسيحية ترحب بمعتنقيها وإن كان إله المسيحية أشقر اللون، وأديان عرقية مثل اليهودية والهندوسية، خاصة بأهلها، وأخرى ليس لها جاذبية.. وتقع الحروب بين الأديان كما بين القوميات، وتظهر أفلام كثيرة ووثائق كيف كان المستعبِدون البيض يخفون الإنجيل عن السود المستعبَدين المستجلبين من قارة أفريقيا للعمل في مستعمرات أوروبا. ولكن مفردة الاستعباد أقل تداولا في الأخبار والتاريخ الإسلامي، كان اسم العبد مولى، وهذا حديث يطول، لكن ما تزال هناك بقعة على الأرض هي أقل بقاع الأرض عنصرية، هي مكة المكرمة، وإن كان السفر إليها مكلفا،
وتشوبها شوائب مستجدة، فهي بقعة تتساوى فيها الأعراق والألوان ضمن الدين الواحد.. وحدة البشر، وتوحيد الخالق المعبود، فلا تجوز هذه من غير تلك.
ولا يصح توحيد الله إلا مع توحيد الأصل البشري، فالرياء شرك، والرياء هو الكبر، وهو أحد أشكال العنصرية، وبالتعريف النبوي: هو بطر الحق، أي إنكاره وغمط الناس، أي احتقارهم وازدراؤهم. ولا يجوز الحج سوى بثوب الإحرام الموحد، لكن الوصول إلى البقعة الكريمة ليس سهلا، فدونه مال كثير وقرعة، وقد تسربت إليها ما تسرب إلى البقاع الأخرى من خدمات سياحية تفاضلية، وهو ما يخالف مقاصد عبادة الحج.