هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من وجهة نظري ينبغي للنقاش الدائر اليوم أن يتجاوز مسألة هل نشارك في
الحوار أم لا نشارك، هل نجلس مع السلطة أم لا نجلس، هل الموضوع الرئيس هو إجراء
الانتخابات الرئاسية أم غيرها من المواضيع… إلى مسألة جوهرية ذات أهمية استباقية
لا شك فيها وهي: ما هي مواصفات الرئيس المقبل؟
أقول
هذا الكلام لأني أرى أنه مهما كانت التطورات، ومهما كانت الاحتمالات، ستعرف البلاد
في غضون العشرة الأشهر القادمة رئيسا جديدا، و تبعا لذلك سيذهب رئيس الدولة
الحالي، وستذهب الحكومة الحالية وستتغير الكثير من أحرف الهجاء وليست الباءات
فحسب! أي أننا في كل الحالات سنجد أنفسنا أمام سؤال: مَن سيكون رئيسا للبلاد؟ وليس
أمام سؤال: هل سيكون لها رئيسا أم لا!.. حتى وإن مازال البعض يُمَنِّي نفسه
بالوصول إلى الدفع باتجاه طرح السؤال الأخير طمعا في الانحراف بمسار الدولة نحو
طريق مجهول…
لذا
فإن محاولة الإجابة عن السؤال الأول تبقى أكثر أهمية وأكثر واقعية بالنسبة لكافة
الجزائريين بما في ذلك أشدهم معارضة للنظام.
إن
الوصول إلى توافق بشأن رئيس يكون ذا مَلمَحٍ اقتصادي أو سياسي أو حقوقي أو ثقافي…
يكون بداية جيِّدة لنقاش بنَّاء. أو الوصول إلى ترتيب مواصفات الرئيس المقبل بما
يخدم المصالح الوطنية العليا يكون هو الآخر بداية موفَّقة، تُبعَدنا عن تلك
النقاشات التقليدية التي عادة ما تلجأ إليها الأيديولوجية أو العصبيات أو
الجهويات، لتغليف أهدافها الضيقة والمُبَطَنَّة في كثير من الأحيان.
ولا
أخفي رأيي في هذا المجال، عندما أقول، إلى جانب وجهات نظر أخرى، أن رئيسنا القادم
ينبغي ألا يكون تكنوقراطيا بل سياسيا بامتياز، لأننا في واقع الأمر لا نعيش مشكلة
اقتصادية أو تقنية إنما مشكلة نظام سياسي ذات مظاهر اقتصادية وثقافية واجتماعية
وتقنية… وعلينا تحويل هذا النظام السياسي تدريجيا نحو الديناميكية المطلوبة في
أنظمة القرن الحادي والعشرين.
وهذا
يستلزم أن تتوفر في الرئيس المقبل 5 شروط رئيسة على الأقل: أن يرمز لوحدة الشخصية
والهوية الوطنية، أن يؤكد استمرار الخط السياسي الوطني النوفمبري، أن يكون رمزا
للعدالة واحترام حقوق الإنسان، أن يكون مؤمنا بدور العلماء والخبراء في تسيير شؤون
الدولة الاقتصادية وغيرها، أن يكون على مسافة واحدة من القوى الدولية الكبرى.
في
تقديري، إن تركيز النقاش بشأن هذه المواصفات أو غيرها، والتشاور بشأن ترتيبها من
حيث الأهمية، هو الذي من شأنه أن يُمكِّننا من التعرف على ملمح الرئيس المقبل الذي
يخدم المصالح الوطنية العليا…وعند الاتفاق يكون من السهل البحث عنه، أو تقديم أكثر
من شخص تجتمع فيه أكثر المواصفات أمام الشعب ليختار الأفضل…
هكذا
تبدو لي سياسة الدول الفاعلة اليوم: تُحدِّد الأهداف والدور والمواصفات التي
تتطلبها المرحلة، وبعد ذلك تبحث عن الأشخاص ليفاضل بينهم الشعب عبر صندوق
الانتخابات… أما سياسة الدول التابعة، الضعيفة، فتربط نفسها بالأشخاص وتسعى عبثا
لتمكينهم من دور، وذلك ما حدث لنا، وينبغي ألا يتكرر هذه المرة. أما الدول التي لا
سياسة لها، فتستمر في العراك حول البديهيات: هل نتحاور أم لا نتحاور؟ هل ننتخب
رئيسا أو لا ننتخب… والكل يعلم نتيجة هذا العراك…
عن صحيفة الشروق الجزائرية