حقوق وحريات

"التعذرات الأمنية".. وسيلة تنكيل جديدة بمعارضي نظام السيسي

خبير: ليس في القانون شيء اسمه التعذرات الأمنية، ولكنها حجة اخترعها الأمن ليتهرب بشكل قانوني من نقل المعتقلين للمحاكمة
خبير: ليس في القانون شيء اسمه التعذرات الأمنية، ولكنها حجة اخترعها الأمن ليتهرب بشكل قانوني من نقل المعتقلين للمحاكمة
انتقدت العديد من المنظمات الحقوقية توسع السلطات المصرية في استخدام مبرر التعذر الأمني لعدم إحضار المعتقلين السياسيين من سجونهم للمحاكم المختلفة، بما يؤدي لتأجيل القضايا، وهو ما اعتبره حقوقيون وقانونيون وسيلة قمع جديدة ضد معارضي نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي.

واتهمت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، في بيان وصل "عربي21"، السلطة القضائية بأنها تستخف بحريات المحبوسين احتياطيا في القضايا السياسية بحجة الظروف الاستثنائية؛ بمد حبسهم تلقائيا، وعدم حضورهم ومحاميهم لجلسات تجديد حبسهم بشكل طبيعي، وتأجيل هذه الجلسات أو تجديد حبسهم بحجة الظروف الأمنية، فضلا عن عدم تمكينهم من الطعن على قرارات حبسهم منذ أكثر من 6 أشهر.

واعتبرت الجبهة المصرية "التعذر" الأمني حرمانا تعسفيا لحقوق المتهمين، وانتهاكا صريحا لمبدأ افتراض براءة المتهم، وكشفا لرؤية السلطة القضائية الحالية، وفي القلب منها نيابة أمن الدولة تجاه المتهمين، باعتبارهم أشخاصا خطرين على المجتمع، ويجب عدم الإفراج عنهم، خاصة في الفترات التي تتطلب تأمينات إضافية.

وحسب خبراء القانون الذين تحدثوا لـ"عربي21"، فإن قانوني العقوبات والمرافعات ألزما سلطات الأمن بإحضار المتهمين من محبسهم للنيابات والمحاكم في المدد التي تحددها الهيئات القضائية، إلا أن سلطات الأمن تلتف حول هذا الإلزام، بحجة التعذر الأمني.

وكان مدير أمن القاهرة اللواء محمد منصور أصدر منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي تعميما لإدارات الترحيلات التابعة للمحاكم الواقعة في الحدود الجغرافية للقاهرة، بعدم إحضار المعتقلين السياسيين للمحاكم والنيابات المختصة طوال مدة تنظيم بطولة الأمم الأفريقية التي عقدت بمصر مؤخرا.

ورغم انتهاء البطولة في 19 تموز/ يوليو الجاري، إلا أن التعذرات الأمنية ما زالت سارية، في القاهرة وباقي المحافظات، ما أدى لتأجيل عدد كبير من القضايا التي كانت تنتظر أحكاما نهائية.

"خلل قضائي"

ويؤكد رئيس اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة، مختار العشري، لـ"عربي21"، أن التعذرات الأمنية تمثل أسلوبا جديدا لاستمرار الاعتقال دون مساءلة، "وهو ما يعد تفننا من النظام في انتهاك الحقوق القانونية والدستورية، التي نصت عليها المادة 96 من دستور 2014 المعنية بتوفير ضمانات دفاع المتهم عن نفسه خلال مرحلة التحقيق أو المحاكمة، والمادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي نصت على وجوب سماع دفاع المتهم، قبل إصدار أمر الحبس".

وانتقد العشري استجابة القضاء لحجة التعذر الأمني، رغم معرفتهم المسبقة بأنها نكاية وانتقام من المعتقلين، مشيرا إلى أن مجمع سجون طرة على سبيل المثال يشمل سجون الاستقبال والمزرعة وعنبر الزراعة وملحق الزراعة وشديد الحراسة 1 (العقرب)، وشديد الحراسة 2، وسجن ليمان طرة، وسجن القاهرة، وسجن طرة تحقيق، وداخل نفس المجمع تقع محكمة معهد أمناء الشرطة.

ووفق الخبير القانوني، فإن "هذه السجون تضم ما لا يقل عن ثلث المعتقلين بمصر، وجميعهم يتم إحضارهم من سجونهم داخل مجمع سجون طرة للمحاكمة بمعهد أمناء الشرطة الذي يقع داخل المجمع أيضا، ولا يبعد عن معظم هذه السجون إلا عشرات الأمتار، ولا يحتاج نقل المعتقلين لتأمين أو حراسة، لأنهم في النهاية يخرجون من السجن لمحكمة داخل السجن نفسه، وهو ما ينفي فكرة التعذر الأمني".

"أزمة الأهالي"

وحسب رأي المحامي والحقوقي أحمد عبد الباقي لـ"عربي21"، فإن التعذرات الأمنية "يتم استخدامها للتنكيل بالمعتقلين وأهاليهم، خاصة أن هناك مئات المعتقلين في عشرات القضايا التي يتم تأجيلها للتعذر الأمني ممنوع عنهم الزيارة، وتمثل جلسات المحاكم والنيابات الوسيلة الوحيدة لرؤية أهاليهم ومعرفة أخبارهم، والتأكد أنهم ما زالوا على قيد الحياة ولم يتعرضوا للتصفية أو التعذيب".

ويضيف عبد الباقي: "ليس في القانون شيء اسمه التعذرات الأمنية، ولكنها حجة اخترعها الأمن المصري ليتهرب بشكل قانوني من نقل المعتقلين أو حتى المتهمين الجنائيين للمحاكم والمستشفيات والامتحانات، تحت مبرر الانشغال في تأمين الاحتفالات أو المناسبات الكبرى التي تنظمها الدولة".

ويعتبر الحقوقي المختص بقضايا المعتقلين أن موافقة سلطات التحقيق القضائية على هذا المبرر يعد إخلالا بمبدأ العدالة، لأن الأصل في المتهم أنه بريء ما لم يثبت عكس ذلك خلال التحقيقات، ولكن قبول القضاة ورؤساء النيابة بحجة التعذر الأمني، لخطورة المتهم وفقا لتصنيف الأجهزة الأمنية، معناه اعتراف مسبق من المحكمة بأنها سوف تقبل بما جاء في محاضر التحريات التي لا تصح أن تكون دليلا على الاتهام، وفقا لأحكام محكمة النقض، والمحكمة الدستورية، والمحكمة الإدارية العليا".

ويوضح عبد الباقي أنه بسبب التعذر يمكن استمرار حبس المعتقل مدة إضافية للمدة التي حددتها النيابة أو غرفة المشورة، كما أن اللائحة التي تستند عليها وزارة الداخلية في التعذر، لم تحدد مدة أو فترة ينتهي فيها سبب هذا التعذر، وإنما تركت الأمور لتقدير وهوى الأجهزة الأمنية التي تتعامل مع الموضوع بعدة اعتبارات لا تصب جميعها في صالح المتهم أيا كان موقفه القانوني.

التعليقات (0)

خبر عاجل