هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يسخر الناس أحيانا من المحللين السياسيين، لأنهم كثيرا ما يقولون
مثلا إننا أمام خيارين؛ إما أن تحدث الحرب وإما أن يحصل اتفاق. وفي العادة يقتصر
بعضهم على فرض احتمالين فقط أو وضع خيارين يقود كل منهما إلى نتيجة صفرية، أي إما
الحرب الشاملة وإما الاتفاق الكامل.
لكن
هذا لا يصلح مع غزة، وإن تكررت هذه الافتراضات مئات المرات منذ انتهاء العدوان على
القطاع عام 2014؛ ففي غزة من الممكن أن يحصل شيء من كلا الأمرين معا؛ الهدوء وعدم
الهدوء، المواجهة واللامواجهة في الأسبوع الواحد، كأن يبدأ الأسبوع بمواجهة قصيرة
وينتهي بتهدئة.. وهكذا.
ما
يمنع حدوث مواجهة كبيرة وطويلة في القطاع هو ثمنها، فالمقاومة من جهة تحاول تلافي
الحرب لثمنها الباهظ وتحاول تجنّبها، وإلا لما سمحت أو دفعت بأساليب استنزاف
للاحتلال عبر المقاومة الشعبية والبالونات الحارقة وما شابه.
والاحتلال
يرغب في شنّ عدوان كبير على قطاع غزة، لكسر ما تبقى من تهديدات تعيق مشروعه
الصهيوني الآخذ بالتوسع على حساب الأرض والإنسان والمقدسات في فلسطين؛ لكنه يخشى
أن يكون الثمن فوق توقعاته، فلا يعمل على تحاشي الحرب بقدر ما يعمل على تحاشي أكبر
قدر من الثمن أو الضرر.
يعمل
الاحتلال منذ سنوات على تطوير بعض التقنيات المتعلقة بكشف الأنفاق، ويبني الجدار
فوق الأرض وتحتها عند الحدود مع قطاع غزة، وقد نجح في إنجاز 40 كم (من أصل 68) من
الجدار أسفل الأرض و10 كم من الجدار الفوقي؛ وفق ما ذكرته صحيفة «إسرائيل اليوم»
قبل أيام.
كما
يعمل الاحتلال على تطوير «القبة الحديدية» التي من المفترض أن تحمي مستوطنات
الاحتلال ومواقعه من صواريخ المقاومة. ورغم الأموال الطائلة التي صُرفت عليها
فإنها لم تنجح في تحقيق الغرض منها بالفاعلية الكافية، وفشلت في اعتراض جلّ صواريخ
المقاومة، وهو ما اعترف به الاحتلال عبر تقارير صحافته، ومنها تقرير موقع «ديبكا»
المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية.
تدرك
المقاومة أن الجدار الأرضي يشكل تحديا حقيقيا لشبكة أنفاقها الهجومية التي كانت
تُعتبر السلاح الاستراتيجي لها في السابق، وربما لم يعد الأمر على حاله هذه
الأيام؛ فقد ظهر أنها طوّرت من أداء صواريخها على نحو غير مسبوق، وهو ما ثبت خلال
جولات التصعيد الأخيرة التي وصلت فيها صواريخ المقاومة من غزة إلى ضواحي تل أبيب
وحققت دمارا كبيرا.
كذلك
تدخل «الطائرات المسيرة» أو الحوامات الصغيرة على خط المواجهة بشكل متسارع، فقد
أعلنت قوات الاحتلال قبل أيام إسقاطها حوّامة أُطلقت من قطاع غزة وحلّقت فوق
مستوطنة «زيكيم»، وهو السلاح الذي يتطور بسرعة وقد يُحدث فارقا في معادلة المواجهة
إن دخل بشكل واسع وفاعل.
التطور
الدائم في قدرات المقاومة بقطاع غزة واعتمادها على التصنيع الذاتي وخلق الأدوات
وتحسينها المستمر وابتكارها وسائل وتقنيات جديدة، كل ذلك يخلق عند الاحتلال هاجسا
من القادم وخوفا من المستقبل وعليه.
جيسون
غرينبلات قال، في آخر تصريحاته المتعلقة بـ «صفقة القرن»، إن الهدف من الصفقة
إنهاء وجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، ويعني ذلك وجود رغبة من إدارة
ترامب وأطراف دولية أخرى تسهم في دفع الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان جديد ضد قطاع
غزة، يهدف إلى القضاء على أكبر معقل للمقاومة الفلسطينية المسلحة، وهو ما يفسّر
ازدياد تهديدات نتنياهو للقطاع في الأيام الأخيرة.
عن صحيفة العرب القطرية