هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتهى المشهد التاريخي المأساوي في البحرين، لكن ثمة من سيعود إليه
في صورة كوابيس، وآخرين في صورة أعراس.
انتهى
المشهد، وبدأت تداعياته تظهر شيئا فشيئا، غير أن ما ظهر من هذه التداعيات يدعو إلى
الاكتئاب.
مرة
أخرى يجري الحديث عن العرب، بلغة الجماعة التي تغرز سكينا في ظهر القضية
الفلسطينية، في الصورة تظهر البحرين التي استضافت المحفل، ووزير خارجيتها الذي
يتحدث عن حق إسرائيل في الوجود، ويطالب بالتطبيع معها.
ينسى
أو يتناسى، أن المشكلة الأساسية لم تكن وهي ليست الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود،
فلقد اعترفت منظمة التحرير بذلك، واعترفت مصر والأردن قبل المنظمة. ينسى هذا
الجاهل أن الشعب الفلسطيني هو الذي يستحق الاعتراف بدولة وحقوق له، ترفضها
إسرائيل، وترفضها الولايات المتحدة، التي تمثل دولته، إحدى مخالبها الصغيرة، التي
بالكاد ترى بالمجهر قياسا بالدول الفاعلة.
بعد
قيام دولة إسرائيل العام 1948، وجه البعض من العرب التهمة للشعب الفلسطيني، بأنه
باع أراضيه لليهود، وتناسى هذا البعض عن جهل وعدم اطلاع، أن عائلات عربية كانت لها
أملاك في فلسطين هي من باعت أراضي، وليس الفلسطينيين.
في
كل مرة، يغضب عربي من الفلسطينيين، يكررون التهمة ذاتها، وفي كل مرة يتبدى هوان
موقف عربي رسمي وغير رسمي، يعودون إلى المعزوفة ذاتها.
وينسى
هؤلاء، أن الجيوش العربية، التي تتبع أنظمة عربية كانت لا تزال تحت عباءة
الاستعمار الغربي، هي من سقطت في وحل الهزيمة، أمام عصابات مدعومة من الاستعمار
ذاته.
في
هذه المرة، أيضا، سيتنطح بعض المتخاذلين، والمتآمرين على القضية والراغبين في
إسقاطها من حسابات المسؤولية القومية، ليقولوا إن الفلسطينيين هم من يتحمل
المسؤولية عما تتعرض له قضيتهم فإذا كانوا هم منقسمين، فلا تلوموا العرب.
من
يدّعي أن مؤتمر البحرين ميت قبل أن يولد، وأنه فاشل بامتياز كأنه يريد تخفيف عبء
المسؤولية عن العرب، وأنه لا يملك إلاّ أن يبقي الأبواب مفتوحة على التعامل
الطبيعي معهم.
العرب،
يكثرون من إطلاق الشعارات، التي تؤكد التزامهم بالحقوق الفلسطينية، وبتقديم الدعم
للقضية، وللقدس، وربما يؤكدون مصداقية هذا الخطاب، من خلال تقديم بعض المساعدات
المالية. فوق الطاولة شيء، ومن تحتها أشياء أخرى متناقضة مع ما يصدر عبر التصريحات
المعلنة، التي تستهدف تضليل الجماهير العربية والتستر على سياسات بائسة تسهل
للولايات المتحدة وإسرائيل تنفيذ مخططاتهما التوسعية.
يتحدث
العرب عن الالتزام بمبادرة السلام العربية، التي جاءت في الأساس، من موقع الضعف
وتراجع الموقف العربي والجماعي ولكنهم يعملون من أجل تجاوزها. منذ البداية كان
خطاب إسرائيل يقول إن تحقيق السلام وفق المبادرة العربية يبدأ من بندها الأخير وهو
تحقيق التطبيع، ومن ثم يجري البحث في إمكانية تحقيق السلام.
نجحت
إسرائيل ليس فقط بفضل الدعم الأميركي اللامتناهي وليس فقط بسبب عجز المجتمع الدولي
عن حماية قراراته، وإنما، أيضا، بسبب ضعف العرب وانقسامهم، وتآمر بعضهم على بعضهم
الآخر، وارتهان البعض للسياسة الأميركية، فارتفعت لغة المطالبة بالتطبيع بينما هم
يدركون تماما أنها لن تؤدي بإسرائيل لتغيير سياساتها التوسعية، والعدوانية إلى حد
مصادرة الحقوق الفلسطينية.
ما
ينبغي على الفلسطينيين أن يعرفوه، هو أن واحدا من أسباب ضعف وتراجع السياسة
العربية تجاه القضية الفلسطينية وأهلها، يعود إلى الفلسطينيين أنفسهم. في زمان مضى
كان الوضع العربي أفضل كثيرا مما هو عليه في هذه المرحلة، لكن وضع الثورة
الفلسطينية كان أفضل كثيرا، إذ كان الفلسطينيون يملكون القدرة على تخويف هذا
النظام أو ذاك. لم يكن الأمر يتعلق بقدرة الفلسطيني على تهديد والنيل من هذا
المسؤول العربي أو ذاك، وإنما كان الفلسطيني يملك القدرة على التأثير في المجتمعات
العربية، التي يخشاها أولو الأمر.
والفلسطينيون
كانوا آنذاك مُوحَّدين على اختلافاتهم، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية، تجوب
الأرض طولا وعرضا بحراكها الدائم وقدرتها على التأثير والفعل دون أن يجرؤ أحد على
منازعتها التمثيل الموحد والهوية الموحدة للشعب الفلسطيني.
منظمة
التحرير الفلسطينية كانت آنذاك تحتل دور قيادة حركة التحرر العربية وهي من يحدد
الخطوط الحمر للسياسة العربية الرسمية.
تراجع
الموقف الفلسطيني حين قبلت منظمة التحرير الفلسطينية، بالتنازل عن 78% من أرض
فلسطين التاريخية، واعترفت بحق إسرائيل في الوجود دون أن تحصل على اعتراف بالدولة
الفلسطينية.
هبط
السقف السياسي للمنظمة فكان من الطبيعي أن يهبط السقف السياسي للنظام العربي
الرسمي الذي كان مكبلا بالخطوط الفلسطينية الحمراء.
كان
بإمكان الفلسطيني أن يعود مبكرا لترتيب أوراقه وخطوطه الحمراء مرة أخرى، حين
اندلعت الانتفاضة الثانية، التي جاءت توقيتا بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، واتضاح
مآلات عملية السلام والخداع الذي تنطوي عليه اتفاقيات أوسلو، لكن الفلسطينيين
بأيديهم، حولوا الانتفاضة إلى معول هدم.
وقع
الانقلاب العام 2007، فكان ذلك بداية السقوط الكبير في الوقت والظروف المناسبة
لإسرائيل. الانقسام كارثة، والبعض عن حق يسميها النكبة الثالثة بعد أعوام 1948،
و1967، أما إسرائيل فاعتبرته الإنجاز التاريخي الثالث للمشروع الصهيوني. تأخر
الفلسطينيون كثيرا، وهو تأخير مدفوع الثمن، حتى يتراجعوا ويراجعوا المرحلة،
ويغيروا كليا، كل طريقة حياتهم وعلاقاتهم، فهل يفعلون ذلك، أم أن الادعاء بفشل
البحرين يزكي الواقع القائم فلسطينيا؟
عن صحيفة الأيام الفلسطينية