هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إذا أصرّ الآباء والأمهات على أن الطفل الصغير لن يستطيع الوقوف على
قدميه لأن ذلك الوقوف يمثّل خطرا على حياته، وإذا استطاعوا إقناع هذا الطفل البائس
بأنه قد يقع أو تنزلق قدمه فيسقط من أعلى السلم وتُدقّ عنقه ويموت..! إذا أصرّ
الوالدان على هذا الموقف، فإن الطفل لن يقف على قدميه أبدا، ولن يستطيع المشي مثل
الأطفال الأصحّاء من أقرانه، وسوف يعيش ويموت وهو «كسيح» أو يمشي على كرسي متحرك
مثل المرضى المقعدين.
تخيّل
هذا المشهد، لكن مع الفارق أن هذا الطفل هو الشعب المصري أو السوداني أو الليبي أو
اليمني أو غيره من شعوب منطقتنا. تخيّل أن نخبا جاهلة وقيادات فاسدة تصرّ على أن
الشعوب لا تزال لم تستوعب الديمقراطية بعد، وأنها غير قادرة على ممارستها، وأن
الوصاية من جانب العسكر وتلك النخب المنتفعة هي التي تجنّب الشعوب السقوط والزلات
والخطأ. بالطبع فإن هذا المنطق مغلوط ويستوجب التوقف عنده.
في
الحالات الفردية، إذا رأيت جارك أو جارتك تعامل طفلها بمثل هذا الغباء والجهل،
فإنك ستبادر بتقديم النصيحة لها بأن تترك الطفلة أو الطفل يتحرك ويمشي ويسقط ثم
ينهض مجددا، وستقول له أو لها إن تلك هي الطريقة الوحيدة التي سيتمكن من خلالها أن
يعيش حياته بصورة طبيعية وعادية بعد أن يواجه بعض الصعوبات ويتغلب عليها بما وهبه
الله من إمكانات.
ربما
تتجرأ وتقول لهما في وجهيهما إن هذا موقف غير مسؤول، وإنكما تقفان ضد الطبيعة
البشرية والإنسانية، وسوف يبادر أحدهما أو كلاهما بالقول إن هذا الموقف ينبع من
الحرص والخوف على الطفل الصغير الضعيف، لكن سيتعين عليك أن تردّ بسرعة بالقول إن
من الحب ما قتل. هذا هو «الحب القاتل» أو «الحرص الزائد بطريقة مرضية تضرّ ولا
تنفع»، هذا بافتراض حسن النوايا طبعا.
قد
يكون من الحصافة ألا تتطرق إلى «نوايا الوالدين» التي تقف وراء هذا العمل الخاطئ.
لن تتجه إلى التخمين والتوقع والبحث بهدف اكتشاف السر الكامن وراء هذا الموقف.
المؤكد أنك لو بحثت أكثر وفتشت أكثر، لوجدت أن الدافع الحقيقي يتخفى وراء مقولات
ظاهرها الرحمة والحرص والخوف؛ لكن باطنها يعلمه الله، وقد تكتشف في تلك الحالة
أمورا مرعبة تصل إلى حد أن يكون هذان الوالدان ليسا شرعيين، وأن هذا الطفل ليس
ابنهما الشرعي، وأنهما يزعمان زورا وبهتانا أنهما والدا الطفل، وهما ليس كذلك!
المهم،
النظم العسكرية في منطقتنا تقف وراء تلك المقولة التي يردّدونها على مسامع
المسؤولين الغربيين، فأحدهم يقول للرئيس الفرنسي إن معايير الغرب لديكم لا تنطبق
على شعوبنا، وكأنهم بشر آدميون وشعوبنا غير ذلك! وكلهم يضعون معادلة سيئة السمعة
في منطقتنا وهي: إما النظام المستبد غير الشرعي، وإما الفوضى الشاملة والكاملة.
وكل
هذه المقولات لن تساعد الطفل على المشي، ولن تساعد الشعوب على النهوض والوقوف على
أقدامها لتحاول الوصول إلى مصافّ باقي الدول الأخرى، حتى وإن جاءت في آخر الصف.
الخلاصة:
ما يحدث من المجلس العسكري الانقلابي في السودان، وكذلك تبريرات العسكر المصريين
والجزائريين وفي ليبيا وغيرها من البلدان العربية الأخرى، يؤكد مجددا أن الشعوب
يتعين عليها أن تكسر قيودها بأيديها؛ لأن هؤلاء الحكام ، لن يمنحوها أبدا القدرة
على النهوض والوقوف على أقدامها، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
عن صحيفة العرب القطرية