هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الحوار المتطاول والشد والجذب في السودان بين المجلس العسكري
الانتقالي وبين قوى إعلان الحرية والتغيير، جعل الملل يتسرب إلى الشعب السوداني بعد
مرور شهر على الإطاحة بنظام عمر البشير، وسط استمرار الأزمة المعيشية، إن لم تزد
حدتها. ليس هذا فحسب، بل الأمر الأكثر خطورة تسارع وتيرة الانفلاتات الأمنية. آخر
الأحداث المفجعة قتل ضابط أمن في إحدى ولايات دارفور، بعد انقضاض جماهير ثائرة عليه
بالضرب حتى الموت.
أسلوب
التحشيد والتهييج الذي تتبعه بعض القوى السياسية يفضي إلى مثل هذه الأحداث، التي
تشير إلى سيادة قانون الغاب. تلك القوى تظن أنها تضغط بذلك الأسلوب على المجلس
العسكري لتحقيق مطالبها السلطوية، وهي مطالب بعيدة عن مطالب الثوار الأساسية التي
كانت من ورائها الأزمة الاقتصادية الخانقة المتمثلة في ندرة رغيف الخبز والمحروقات
البترولية ونقص السيولة.
فبدلا
من أن تركز القوى السياسية على أولوية تشكيل حكومة مدنية تدير الجهاز التنفيذي
وتعكف على اقتراح حلول إسعافيه عاجلة للأزمة الاقتصادية، فضلت ابتدار جدل سفسطائي
حول تكوين المجلس السيادي، الذي ما زال يحتفظ بسلطاته المجلس العسكري، ومعلوم أن
السلطة السيادية التي تطالب القوى السياسية بها لا علاقة مباشرة لها بمعاش الناس
اليومي.
قوى
إعلان الحرية والتغيير التي اعترف لها المجلس العسكري بدورها في قيادة المظاهرات
بدأ يضربها التصدع في خضم المماحكات الجدلية، فمجموعة تحالف نداء السودان -عضو في
إعلان الحرية والتغيير- التي يرأسها الصادق المهدي آخر رئيس منتخب قبل مجيء نظام
البشير، انتقد بشدة الوثيقة الدستورية التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير
للمجلس العسكري كما اعترف رئيس حزب المؤتمر السوداني، وهو أيضا عضو في إعلان الحرية، بأن الوثيقة بها نواقص وأنها قدمت على عجل.
ويأخذ
البعض على بعض القوى السياسية منها قوى اليسار، أنها تريد أن تسعى لتجيير الثورة
ضد الإسلام السياسي متجاهلة تماما الأسباب الاقتصادية. وفسر البعض ذلك بأنه محاولة
لجر المجلس العسكري وباقي القوى السياسية إلى معركة هدفها تصفية خصومهم التاريخيين
من الإسلاميين باختلاف مواقفهم من النظام السابق.
فالجماهير
ثارت ضد الأوضاع الاقتصادية ولم تكن معنية بذلك الصراع الأيديولوجي المرير فعلى
سبيل المثال الثورة في الجزائر لم توصف بأنها ضد العلمانية بمجرد أن النخبة
الحاكمة تتبنى العلمانية. فالثورة كانت ضد إثم الطغيان والفساد الذي يمكن أن
يرتكبه أي نظام حكم بغض النظر عن كونه إسلاميا أو علمانيا.
فمفهوم
اليسار الذي يُتهم باختطاف الثورة، للفترة الانتقالية أنها فترة انتقامية وفرصة
تصفية الحسابات السياسية ولذا نجد أنه بينما يطالب المجلس العسكري بفترة عامين كحد
أقصى للفترة الانتقالية تطالب قوى اليسار على وجه التحديد بأن تمتد لأربع سنوات
تكون فيها الغلبة للمدنيين في السلطتين السيادية والتنفيذية.
إن
الطرح السياسي للفترة الانتقالية والذي تتبناه قوى إعلان الحرية والتغيير بما في
ذلك الوثيقة الدستورية التي لم تحظ بالقبول، يتضمن بأن يكون المجلس السيادي خالصاً
للقوى المدنية بينما تنحصر مهام العسكريين في مجلس الدفاع والأمن الذي لا يُعتبر
مستوى من مستويات الحكم، وإنما هو مجلس تنسيق أعمال وزارات محددة.
ويخشى
المجلس العسكري من أن يشكل ذلك الأمر خطورة على الجيش والأجهزة الأمنية وقوات
الدعم السريع، حيث يمكن استخدام صلاحيات السلطة السيادية من جانب القوى المدنية
لإعادة هيكلة تلك المؤسسات العسكرية وإحلال عناصر الحركات المُسلَّحة مكان الجيش
الوطني.
المجلس
العسكري الذي بدأ صبره ينفد يقول إن الطرح السياسي للفترة الانتقالية ليس من حق
قوى إعلان الحرية والتغيير وحدها وأنه تسلم 177 رؤية متعلقة بترتيبات الفترة
الانتقالية وأن معظمها كانت مؤشرات ممتازة لحل الأزمة. وأن 79% من هذه الرؤى رأت
أن يكون مجلس السيادة 79 عسكريا بحتا. بينما رأى 67% أن يكون رئيس الوزراء قوميا
و78% أن يكون تمثيل مجلس الوزراء من التكنوقراط غير الحزبيين. ولعل هذه النسب تعكس
رؤى مختلفة تماما عن رؤية قوى إعلان الحرية والتغيير.
عن صحيفة الشرق القطرية