هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
احتفت أجهزة الإعلام العراقية، ومعها عديد الساسة، باستضافة العراق،
في 20 نيسان/ أبريل، قمة برلمانات دول جوار العراق، معتبرة إياها استعادة لـ«الدور
المحوري» للعراق بعد سنوات من « الدور التحالفي». وانه «إنجازا وتحولا مهما
وانتقالة نوعية في مسيرة الدبلوماسية النيابية العراقية». وبلغ المديح ذروته حين
انهالت التهاني على رئيس البرلمان العراقي لتمكنه من الجمع بين برلمانات هذه الدول
المتنازعة، غالبا، وكيف أن قمة بغداد قد تصبح في القريب العاجل تكتلا إقليميا
جديدا للتنمية والاستقرار!
تجاهلت
أجهزة الإعلام، سذاجة أو حماسا أو تعمدا، عن نقاط أساسية كان يجب أن تثار في
تعاملها مع خبر «القمة»، لعل أهمها أن معظم هذه البرلمانات لا تمثل شعوب الدول
المشاركة. فأعضاء البرلمان العراقي، مثلا، هم حصيلة المحاصصة الطائفية والعرقية
وانتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها 20 في المئة فقط. مما يعني أنها تمثل ذات
الوجوه الفاسدة بأقنعة مغايرة. وقد لا ينطبق الحال نفسه على كل البرلمانات والدول إلا
انه ينطبق، بالتأكيد، على عدد منها، بدرجات متفاوتة.
النقطة
الأخرى التي تم تجاهلها هي أن هناك الكثير مما يجمع بين دول الجوار الست المشاركة
وهي إيران، سوريا، السعودية، تركيا، الكويت، والأردن، بالإضافة إلى العراق في
خلفية المناوشات الظاهرة بينها يوميا، وتحت سطح ما يتصوره الناس. وان التعاون قائم
بين هذه الدول، والبرلمانات جزء لا يتجزأ منها، بشكل عميق يتوغل في بنيتها
الأساسية، ويتبدى ذلك بوضوح كبير خاصة بين إيران والعراق والسعودية وسوريا تحت
العنوان الأعظم في عالم اليوم: مكافحة الإرهاب.
وتشير الدلائل، إلى أنه سيستمر إلى أجل غير محدد، ما لم يحدث تغيير
مفاجئ يؤدي إلى خلخلة العلاقة. لذلك يبدو من المستغرب أن يثير اجتماع هذه الدول في
مكان واحد استغراب معظم أجهزة الإعلام العراقية والعربية، ويتم اعتباره انتصارا
للدبلوماسية. فما يجمع هذه الدول، حقا، وبالدرجة الأولى ليس الاستقرار والتنمية
كما يدعي ممثلو البرلمانات، بل الاستبداد وقمع الشعوب، وتكريس كل الجهود لانتهاك
الحقوق والحريات والفساد، واعتبار الشعوب «العدو الأول»، وهو مصدر التهديد والتآمر
على أمن الدولة، أي الحاكم وأتباعه. فأفضل الاجتماعات التي تتم بين دول المنطقة،
مثلا، وأكثرها وئاما، هي اجتماعات وزراء الداخلية لتوقيع الاتفاقيات الأمنية
الداخلية، وغالبا ما يتم ذلك برعاية إحدى الدول الكبرى.
إن
سردية القمع الرسمي المنهجي بين دول الجوار، وممثلي البرلمانات، يعرفونه جيدا،
موثق بتفاصيله المرعبة من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بأنواعه من
اعتقالات وتعذيب وإعدامات. فالنظام السوري برئاسة بشار الأسد يواصل حملات الاعتقال
والتعذيب والإعدام بلا هوادة. ويشير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى وجود
أكثر من 118 ألف مدني اعتقلتهم القوات الحكومية بشكل تعسّفي أو أخفتهم قسريا منذ
مارس/آذار 2011، وإن المئات من المعتقلين يلقون حتفهم إما تحت التعذيب المباشر أو
بسبب الأوضاع غير الإنسانية في المعتقلات. يداري البرلمان السوري «المنتخب» هذه
الجرائم، تماشيا مع الفكرة السائدة، في الدول العربية والإقليمية، بأن كل معارض
إما متآمر أو إرهابي.
لذلك،
من الطبيعي أن تحتل إيران والعراق والسعودية، قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام
الإعدام، وغالبا، بعد محاكمات صورية قد لا تستغرق أكثر من نصف ساعة وبناء على تهم
وشهادات مفبركة، وبوجود قضاء تتحكم به الإرادة السياسية والفساد، والأدهى من ذلك
بوجود برلمانات « منتخبة».
في
ظل هذه الحكومات، يواجه الناشطون في مجال حقوق الإنسان من محامين إلى أعضاء جمعيات
حقوقية (إن سمح لها) إلى المدونين، عقوبات تصل إلى الجلد والسجن مدة طويلة، كما في
السعودية وإيران. والمفارقة في الأمر، أن كلا البلدين يطبقان العقوبات، وبضمنها
التعذيب، بمساواة بين الرجل والمرأة، خلافا لعدم المساواة السائدة عموما. ففي
السعودية، اعتقلت عشر نساء معروفات بدفاعهن عن حقوق المرأة، وتم تقديمهن للمحاكمة
ومنهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان والأكاديمية هتون الفاسي. كما اثبت
النظام السعودي قدرته على ملاحقة معارضيه والتخلص منهم بأبشع الطرق لا على ارض
الوطن فحسب بل وخارج حدوده، اغتيال جمال الخاشقجي مثالا.
ولا
يزال مئات المعارضين الإيرانيين قابعين في السجون بعد عقود من اعتقالهم، وحُكم في
الشهر الماضي، على محامية حقوق الإنسان البارزة والمدافعة عن حقوق المرأة نسرين
سوتوده، بالسجن لمدة 33 عاما وستة أشهر و148 جلدة بعد إدانتها بسبع تهم، لدفاعها
عن نساء قُبض عليهن بسبب الاحتجاج على قوانين الحجاب القسري.
وينافس
العراق إيران وسوريا في ممارسة التعذيب المنهجي بحق المعتقلين حسب سياسة «عليهم
جميعا أن يعترفوا»، بلا تمييز جنسي أو عمري. ففي 6 مارس/ آذار، أصدرت منظمة «
هيومان رايتس ووتش»، الحقوقية الدولية، تقريرا عن وجود نحو 1500 طفل محتجز، في
كردستان العراق. تم اعتقالهم عشوائيا وتعذيبهم بالضرب بالأنابيب البلاستيكية
وأسلاك الكهرباء والهراوات لإجبارهم على التوقيع على اعترافات بأنهم ينتمون إلى
تنظيم «الدولة الإسلامية».
ونشر تقرير آخر حول استمرار التعذيب الوحشي في سجن الفيصلية بشرق
مدينة الموصل. ويؤكد التقرير فشل القضاة العراقيين، على الرغم من التقارير الواسعة
الموثوق بها عن التعذيب في الحجز، في التحقيق في مزاعم التعذيب، وإصدارهم أحكاما
جاهزة يشكل الإعدام ثلثها والبقية السجن المؤبد. حثت المنظمة « مجلس القضاء الأعلى
على إصدار إرشادات حول الخطوات التي يجب على القضاة اتخاذها عندما يزعم المدعى
عليه التعذيب. ويجب على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن يدين علانية استخدام
التعذيب من قبل جميع الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون والأمن والعسكريين». وعن
دور البرلمان، ذكرت المنظمة الحقوقية: «يجب على البرلمان إقرار مشروع قانون مناهضة
التعذيب، والذي يتطلب من القضاة أن يأمروا بإجراء فحص طبي لأي محتجز يزعم تعرضه للتعذيب
في غضون 24 ساعة من علمه للادعاء». أليست هذه التوصيات من صلب عمل البرلمانيين؟ إلا
يدركون أن سكوتهم (مفترضين حسن نيتهم) على سياسة حكوماتهم القمعية هو الذي يولد
عدم الاستقرار والإرهاب وفشل التنمية؟ أليس توليد الإرهاب، وصنعه المباشر هو
بالذات من أهم وسائل الحكم القمعي؟ وقد كان نعوم تشومسكي أول من قال، عندما أراد
أحدهم إحراجه بالسؤال عما إذا كان هناك بديل لمكافحة الإرهاب، فقال «هذا سهل. فقط
توقفوا عن صنعه».
عن صحيفة القدس العربي