هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا تحدّثت فيه عن القلق الذي يسيطر على المجتمع الأمريكي، حيث يظهر انطباع بأن الرأسمالية التي نجحت في جعل أمريكا ذات مرة قوة اقتصادية، تتحمّل مسؤولية تفاوت الدخل وانعدام الفرص اللذين تعاني منهما البلاد حاليا.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الديموقراطيين والجمهوريين أشادوا
على مدى عقود بنخبة رجال الأعمال الأمريكيين، لاسيما أولئك في منطقة وادي
السيليكون بكاليفورنيا، الذين يعتبرونهم بمنزلة الخلاص بالنسبة للبلاد. وقد تسير
الحكومة نحو طريق مسدود، ويشهد الناخبون موجة من الغضب والانقسامات، إلا أنه
يبدو أن أصحاب الابتكارات الأمريكيين قد قطعوا وعدا بتخطي هذه الفوضى بأخف
الأضرار.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بينما تهدف جهود رجال الأعمال إلى حل أكثر مشاكل البلاد
إثارة للقلق، تمثّل شرطهم في عدم تدخّل الدولة في الاقتصاد. ونظرا لأن هذا
الاتفاق بدأ يتهاوى، أضحى مستقبل الرأسمالية موضوع نقاش بين الطامحين للظفر
بالرئاسة، ومصدر قلق متزايد بالنسبة لنخبة رجال الأعمال. ويظهر في وادي
السيليكون، ومنحدرات دافوس، وداخل قاعات كلية هارفارد للأعمال، انطباع بأن هذا
النوع من الرأسمالية الذي جعل أمريكا ذات مرة قوة اقتصادية، يتحمّل مسؤولية
انعدام المساواة وتنامي الشعور بالغضب الذي يُمزّق البلاد.
وأفادت الصحيفة بأنه في
إطار النقاشات التي خاضها كل من الممثل عن دائرة الكونغرس السابعة عشر
بكاليفورنيا والعضو بالحزب الديمقراطي، روهيت خانا، ورجل الأعمال الأمريكي كريس
لارسن حول تقلّص شعبية أصحاب المليارات ومالكي الشركات العملاقة بالولايات
المتحدة، أعرب الطرفان عن قلقهما من أن الثروة ستستمر في التكدس لدى فئة معينة
بوادي السيليكون، وأن الغضب في البلاد سيستمر في النمو في حال لم يقع التوصّل إلى
حل جذري.
وتجدر الإشارة إلى أن
محادثات مماثلة لتلك التي يخوضها خانا ولارسن، تدور في الوقت الحالي في أماكن
أخرى من البلاد بما في ذلك كلية هارفارد للأعمال، حيث قام المستثمر والملياردير
النافذ، سيث كلارمان، باقتراح حل لمجتمع الأعمال بهدف إصلاح الرأسمالية قبل فوات
الأوان.
وذكرت الصحيفة أنه خلال
افتتاحية قاعة كلارمان للمؤتمرات التي بلغت قيمتها 120 مليون دولار، والتي تم
بناؤها بمساهمة من عائلته، قال كلارمان أمام الحاضرين: "يعتمد الأمر على
خيارك إما في أن تدفع أقل ما يمكن من الأجور للعاملين، أو أن تجعلهم يكدّون في
العمل قدر الإمكان، وفي ضمان ظروف عمل ممتعة أو جعلها قاسية. ومن ثم، يجدر
بالقادة في عالم الأعمال طرح التساؤلات المناسبة حول الرأسمالية، قبل أن يقوم
المروّجون لأيديولوجيات معينة بتوجيه أصابع الاتهام، وإلقاء اللوم وإحداث
تغييرات متهورة على النظام".
وأضافت الصحيفة أن
كلارمان لم يكن الشخص الوحيد الذي شعر بالقلق إزاء المخاطر التي تحيط
بالرأسمالية. فقد كان صف تحت عنوان "إعادة تصوّر الرأسمالية" من بين
الصفوف الأكثر شعبية في كلية هارفارد للأعمال، التي تعد بمنزلة مقر الجيل القادم
من المدراء التنفيذيين. ومنذ سبع سنوات، بدأ هذا الصف نشاطه بحوالي 28 طالبا
ليبلغ عددهم الآن نحو 300. وحيال هذا الشأن، قالت الخبيرة الاقتصادية بجامعة
هارفارد التي تتولّى التدريس في هذه الدورة، ريبيكا هندرسون، إن الطلاب قد أبدوا
ردود فعل متشائمة ومتهكّمة بشأن الشركات والحكومة.
ونوّهت الصحيفة بأن
خانا يواجه حالات مماثلة من التشاؤم واليأس في منطقته بشكل يومي تقريبا. وقد نشأ
خانا وترعرع في ضاحية فيلادلفيا التي تهيمن عليها الأغلبية الساحقة من الطبقة
البيضاء المتوسطة. وإثر ارتياده كلية ييل للحقوق، انتقل إلى وادي السيليكون في
سنة 2003، على أمل توظيف ما تعلّمه خلال فترة تدريبه كمحام في المساعدة على وضع
قواعد لعالم الإنترنت الخارج عن القانون.
واليوم، يسيطر شعور من القلق على المليارديرات في مقاطعة خانا، حيث تنامى شعورهم
بأن أثر التكنولوجيا على الاقتصاد قد أخلّ بالرأسمالية بطريقة ما. فقد فتحت
الثورة الرقمية المجال أمام أصحاب المشاريع التكنولوجية لتأسيس شركات عالمية
ضخمة، والتخلّي عن المصانع الكبيرة المنتجة للوظائف أو القوى العاملة. ونجم عن
هذا الوضع تركّز ثروة أكبر لفائدة أشخاص أقل.
وأوردت الصحيفة أنه من
المحتمل أن تتفاقم الأوضاع وتزداد سوءا مع استمرار التقدم التكنولوجي. بعبارة
أخرى، تسبّبت الروبوتات في إلغاء الكثير من نشاط المصانع، وقضت التجارة
الإلكترونية على تجارة التجزئة، كما أوشكت السيارات ذاتية القيادة على التخلص من
سائقي الشاحنات. وتتمثّل الخطوة التالية والأكثر إثارة للقلق في توظيف الذكاء
الاصطناعي، حيث أصبحت أجهزة الكمبيوتر قادرة على التعلم والتفكير.
وأشارت الصحيفة إلى أن
خانا يعتقد أن مشاكل البلاد تكمن في المقام الأول في التفاوت المتزايد في الدخل
وانعدام الفرص. وفي بعض الأحيان، يحاول خانا تصوّر ما يتبادر إلى أذهان الأفراد
لاسيما في المناطق الداخلية من البلاد، الذين قاتل أجدادهم في الحرب العالمية
الثانية وكان لهم فضل كبير في بناء اقتصاد يقوم على الصناعة. أما الآن فهم قلقون
من أن أشخاصا من أمثال خانا، الذي تنحدر عائلته من الهند، هم بصدد التقدّم
والازدهار على حسابهم.