هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي تقريرا تحدث فيه عن التأثير الذي يخلفه بقاء رواد الفضاء لمدة سنة كاملة في المدار الخارجي للأرض، لاسيما في ظل تغير الظروف الجوية وانعدام الجاذبية التي تخل بالأنظمة الأساسية لجسم الإنسان.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن وكالة ناسا الفضائية أجرت دراسة حول مدى تأثير الرحلات الفضائية طويلة المدى على جسم الإنسان، لمعرفة ما إذا كانت التغييرات التي تطرأ على روّاد الفضاء دائمة أو قابلة للانعكاس بمجرد عودتهم إلى الأرض. وتتعلّق هذه التجربة بشقيقين توأم متطابقين سافر أحدهما للفضاء لمدة سنة كاملة بينما ظلّ الآخر على الأرض، لتُظهر النتائج لاحقا أن من قضى سنة في الفضاء طرأت عليه العديد من التغييرات الجسدية.
وذكر الموقع أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، اختارت ناسا رائد الفضاء سكوت كيلي في أول مهمة تقوم بها الوكالة على امتداد سنة كاملة على متن محطة الفضاء الدولية التي انطلقت سنة 2015. وتهدف هذه المهمة لدراسة تأثير العيش في الفضاء على جسد الإنسان من خلال مقارنة جسم سكوت كيلي بشقيقه التوأم الذي ظلّ على الأرض، مارك كيلي. وتجدر الإشارة إلى أن مارك هو الآخر رائد فضاء وطيار اختبار سابق في البحرية الأمريكية.
وأوضح الموقع أن وكالة ناسا أجرت اختبارات دقيقة لاختيار التوأم الذي سيكون محور هذه الدراسة، التي كانت الأولى من نوعها بالنسبة للوكالة. وشملت "دراسة التوأم" البحث في مدى تأثير رحلة الفضاء على الأبعاد الجزيئية والفسيولوجية والسلوكية لرائد الفضاء.
ولأول مرة، شملت الأبحاث تقييم تأثير الفضاء على المحتوى الوراثي، وهو مكون موجود في الحمض النووي للخلية. وقد بحث العلماء عن الجينات المسؤولة عن إنتاج جزيء يسمى "الحمض النووي الريبوزي الرسول". وركّزت بعض الدراسات الأخرى على كيفية تأثير التعديلات الكيميائية على تنظيم الجينات. كما فحص الباحثون أنواع البروتينات التي تنتجها الخلايا (البروتيوميات)، إلى جانب دراسة تأثيرها على عملية التمثيل الغذائي.
اقرأ أيضا: كيف سيمثل إعادة تأهيل الكواكب مستقبل البشرية؟
وأضاف الموقع أن دراسات أخرى سلّطت الضوء على الدور الذي تلعبه بيئة الفضاء في تغيير الميكروبيوم، وهو مجموع الميكروبات والفيروسات والفطريات التي تعيش داخل أجسامنا. وقد تطرقت هذه الدراسات إلى مدى استجابة جهاز مناعة رائد الفضاء، سكوت كيلي، للقاح ضدّ الأنفلونزا. وحللت دراسة عيّنات سكوت البيولوجية بحثا عن مؤشرات حيوية لتصلب الشرايين وتحولات السوائل الصاعدة في الجسم بسبب الجاذبية الصغرى، والتي يمكن أن تؤثر على الرؤية وتسبّب الصداع.
كما تم تقييم الأداء المعرفي باستخدام اختبارات الإدراك من خلال برامج الكمبيوتر المصممة خصيصا لرواد الفضاء. ووقع جمع أكثر من 300 عينة بيولوجية، على غرار البراز والبول والدم، من التوائم عدة مرات قبل وأثناء وبعد المهمة التي استغرقت سنة كاملة.
وبيّن الموقع أنه غالبا ما يُطرح سؤال حول ما إذا كان سكوت سيعود من الفضاء أصغر سنّا من شقيقه مارك، كما حصل في فيلم الخيال العلمي "بين النجوم" أو نظرية أينشتاين "مفارقة التوأم". ونظرا لأن محطة الفضاء الدولية لا تسافر بسرعة الضوء، سيكون تمدد الوقت ضئيلا للغاية. لذلك إن أي اختلاف في العمر بين الأشقاء سيكون فقط بفارق بضع ميلي من الثانية.
وفي الواقع، تعد مسألة الشيخوخة المرتبطة برحلات الفضاء والمخاطر المصاحبة لتطور الأمراض المرتبطة بالتقدم في السنّ، على غرار الخرف وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، أثناء أو بعد مهمة، مسألة ذات أهمية بالغة يمكن الكشف عنها من خلال دراسة التيلومير، أو كما يعرف بالقُسَيْم الطَرَفِيّ.
اقرأ أيضا: إطلاق صاروخ SpaceX الأقوى بالعالم بمهمة تجارية (شاهد)
وأوضح الموقع أن التيلومير هو الجزء الذي يقع في نهاية الكروموسومات أو الصبغيات التي تحميها من التلف و"الانهاك". وتتمثل مهمة التيلومير في الحفاظ على استقرار الكروموسوم والمحتوى الوراثي.
وتتقلص التيلومير بشكل طبيعي مع انقسام الخلايا، ومع التقدم في السن. ويتأثر معدل تقلص التيلومير مع مرور الوقت بعدة عوامل، بما في ذلك الإجهاد التأكسدي والالتهابات والتغذية والنشاط البدني والضغوط النفسية والعوامل البيئية، على غرار تلوث الهواء والأشعة فوق البنفسجية والإشعاع المؤين.
وذكر الموقع أن الضغوط الفريدة التي يواجهها رواد الفضاء أثناء رحلات الفضاء، على غرار العزلة والجاذبية الصغرى ومستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة والأشعة الكونية، من شأنها أن تسرّع من عملية تقلّص التيلومير والشيخوخة. ولاختبار ذلك، بحثت هذه الدراسة عن طول التيلومير في عينات الدم المأخوذة من كلا الشقيقين التوأم قبل وأثناء وبعد المهمة التي دامت سنة واحدة.
وحين بدأت هذه المهمة، كانت أطوال تيلومير كلا الشقيقين متشابهة نسبيا، وهو ما يتوافق مع مكون وراثي قوي. وكما كان متوقعا، كان تيلومير مارك الموجود في الأرض مستقرا نسبيا خلال فترة الدراسة.
ولكن ما يثير الدهشة هو أن تيلومير سكوت كان أطول بكثير في كل نقطة زمنية وفي كل عينة وقع اختبارها خلال رحلات الفضاء، وهو ما كان عكس المتوقع.
وأورد الموقع أنه عند عودة سكوت إلى الأرض، تقلص طول التيلومير بسرعة، ثم استقر خلال الأشهر التالية ليقترب من متوسط طوله ما قبل الرحلة. ومن وجهة نظر الشيخوخة وخطر الإصابة بالمرض، سُجّل لدى سكوت عدد كبير من التيلومير القصير بعد رحلة الفضاء مقارنة بالسابق. ويبقى السؤال المطروح، كيف ولماذا تحدث مثل هذه التحولات في رحلات الفضاء؟