كيف كان للعرب والمسلمين بصمة في العمل الإرهابي ضد المصلين في
مسجدي "النور" و"لينوود" بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا؟
يبدو أن السؤال لا مكان له الآن ضمن سياق الجريمة المروعة التي هزّت العالم وراح ضحيتها عشرات المسلمين، قرباناً لإرضاء عدة دوافع عنصرية، متطرفة وإرهابية، هي في أعلى وتيرة لها في العالم اليوم، لتجتمع كلّها وتصوب نار الحقد والكراهية ضد الأبرياء من رجال ونساء وأطفال، كانوا يمارسون عبادتهم آمنين في مسجديهم.
لكن الحقيقة أن للعرب والمسلمين مساهمة فعّالة في إنتاج هذا الكم من الاستعلاء والتطرف والعنجهية الغربية، ليظهر نتاجها في جريمة نيوزيلندا واضحا لا مجال للبس فيه، عبر عدة نقاط..
بداية، ليس من الإنصاف أن نأخذ بجريرة منفذ
الهجوم الإرهابي برينتون تارنت (استرالي الجنسية)، كل الغرب أو الغربيين، حتى لا ندخل في تعميم فضفاض مفرط في السلبية والتطرف الأيديولوجي، يعكس الوقاحة ذاتها التي صُنّفت على أساسها كل الأمة المسلمة، بجريرة تنظيمات متطرفة، يكاد يُجزم في أن أصل نشوئها استخباراتي، لتنفيذ أجندات معينة في العالم.
لذا، من الضروري أن يكون هذا الحديث مبنياً على وقائع ملموسة نعود بها إلى سياقها التاريخي الذي بدا واضحاً من شعارات المهاجم، وما كتبه على سلاحه من عبارات وتواريخ تبين تبنيه لأيديولوجية الحروب الصليبية الدموية، إضافة إلى الدعاية الإعلامية التي تعمل من خلال ما يعرف "بالقولبة الإعلامية"، وهي نهج دعائي يهدف إلى تصنيف الآخر ضمن قوالب نمطية، انطلاقاً من أفكار محددة مسبقاً بشكل تبسيطي وتعميمي يهدف في معظم الأحيان إلى التشويه والازدراء، خاصة مع تنامي ظاهرة اليمين المتطرف. يأتي ذلك بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ازدات نسبة جرائم الكراهية في أمريكا بشكل كبير خلال فترته الرئاسية.
هذه الأسباب شكلت باختصار عصب هذا التطرف.. ومرده.
كما أن مواجهة الجريمة وجرائم أخرى سبقتها ضد المسلمين على نطاق إقليمنا الشرق أوسطي، في سوريا والعراق ومصر واليمن وغيرها، وشرق آسيا في ميانمار والصين وكشمير والفلبين.. فضلا عن أفريقيا وأوروبا وأمريكا، لن يكون حلّها مطلقاً في استجداء التعاطف من الحكومات الغربية، أو إلقاء اللوم فقط على حاملي الأمراض الأيديولوجية التي تقوم على أساس ديني، أو أمراض نابعة عن مفرزات فكرية مشوهة صاغت أساطير التفوق العرقي بين البشر، لتملأ حيز الفراغ في لب شريحة من هذا المجتمع.
صحيح أن كل هذه الأمور مجتمعة ساهمت بشكل كبير في تعظيم الدعاية العنصرية المتطرفة ضد المسلمين في العالم، إلا أنها جزء من الصورة الكاملة للمشكلة وليست كلّها.
أما الجزء الآخر من المشكلة الخاص بنا، فيمكن أن نقسمه بحسب المجالات إلى: سياسي وإعلامي، واجتماعي فكري وتاريخي. أما بحسب المضمون، فيمكن أن نرده إلى المشكلات التالية: الضعف والوهن، ونكران الذات، والتبعية السياسية والفكرية، وتجيير الدين كأداة حكومية.
صاغت السنوات الأخيرة، التي تصاعدت فيها موجات التحرر العربية، نهجاً مستحدثاً لتعامل الأنظمة مع الخطر الذي وجدت أنه يقوض سلطتها الاستبدادية على دولها وشعوبها، ويشكل خطراً حقيقياً على وجودها، خاصة مع صعود الإسلام السياسي كممثل مرغوب به لقيادة الجماهير نحو التجربة الديمقراطية، وذلك بعد أن أثبتت صناديق الاقتراع شعبيته. فالمجتمعات العربية التي عانت لعقود من جور الاستبداد، وتكميم الأفواه، ومحاربة منظري الإسلام السياسي والجماعات التي تمثل هذا التوجه المتأصل في الفكر السياسي العربي، هي مجتمعات محافظة بالمجمل، وذات غالبية مسلمة، ووجدت فرصتها سانحة للتعبير عن مفرداتها الفكرية سياسياً واجتماعياً في بداية انفكاك العقد الاستبدادي، مع تحقيق الجماهير في مصر وتونس على سبيل المثال مطالبهم الشعبية.
فخرجت ضمن هذا السياق، ممارسات سياسية انقلابية مضادة، تهدف في المقام الأول إلى محاربة الطموحات الديمقراطية لتلك الشعوب، ثم محاربتها أيديولوجيا، وهو ما يمكن اعتباره استكمالا لما كانت تفعله على مدار عقود سابقة، لكن ضمن سياقات مستحدثة وأدوات موجهة للداخل ضد المواطنين وللخارج (للرأي العام الغربي).
لقد دأبت الأنظمة العربية، منذ سنوات، وفي ظل تنامي العداء ضد المسلمين في العالم، على الوقوف كتفاً بكتف، منحازة للرؤى الغربية حيال المفهوم الفضفاض لمصطلح الإرهاب، والذي بات يرمى جزافاً هنا وهناك، عند كل مناسبة.. كورقة رابحة تحفظ مصالح هؤلاء إما تسلطاً واستبدادا، أو محاباة وتبعية لمن لهم القوة والنفوذ والسيطرة. سياسة ونهج انحطاطي جعل من الشعوب المستضعفة هدفاً ضمن حدود أوطانها وخارجها أيضاً.
هي سنوات دفع فيها المسلمون وحدهم، فاتورة حروب كانوا وقودها، قتلا وتهجيراً وتدميراً لحواضرهم. وممارسة لأبغض أنواع العنف والعنصرية والتطهير العرقي أو الطائفي، دون أن يتحرك أحد ضد إرهاب الحكومات، وسوريا خير مثال.
والمفارقة تتحدث هنا عن تناسب طردي بين تصاعد صوت المطالبات بالحرية والتحرر من سطوة الاستبداد لدى شعوب المنطقة، والنمو غير المسبوق للتنظيمات الجهادية المتأسلمة، والذي اعتبر تزامناً لا يصب سوى في مصلحة النظم المتهالكة الآيلة إلى السقوط الحتمي، لتأتي أكذوبة الحرب على الإرهاب كمسمار جحا، اتسعت معها دائرة الإجرام والاستهداف.
"دعشنة الشعوب أو أخونتها":
كان التبرير الأكثر جهوزية لكل تلك الممارسات الانتقامية، دعشنة هؤلاء أو أخونتهم (اشتقاقا من الانتماء المحظور للإخوان المسلمين)، وهو ما تم توجيهه إلى الرأي العام الغربي، ليلعب دوراً مباشراً وغير مباشر في التحريض على المسلمين، ليس فقط في دولها بل حول العالم.. وها هو السيسي قبل شهر من الهجوم كان يطالب الحكومات الغربية بتشديد المراقبة على المساجد وما ينشر فيها من أفكار، لدورها في تخريج الإرهابيين والمتطرفين بحسب تعبيره.
وهنا لا يفوتنا الحديث عما يجري لأقلية الإيغور المسلمة في الصين، وما يجري من انتهاكات في حقها (بزعم مكافحة الإرهاب) سكتت عنها مجمل الدول العربية والإسلامية.
وبلغت الآلة الإعلامية لهذه الأنظمة مرحلة أسوأ من أن توصف،
لتسأل مذيعة في التلفزيون المصري ضيفها اللواء السابق إذا ما كان لوجود أفراد من تنظيم الإخوان المسلمين في نيوزيلندا علاقة في استفزاز "تيار اليمين"، حسب وصفها، والعملية الإرهابية ضد المسلمين.. ليجيبها موافقاً "بلا شك".
إن عملية إغراق المجتمعات العربية والمسلمة بتصنيفات لا أساس لصحتها، تناغمت فيها المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للقوى العالمية، وعلى رأسها أمريكا ترامب، مع المصالح الضيقة للأنظمة الصغيرة المتهالكة، فلم نجد دفاعاً جدياً ضد وصم المسلمين بالإرهاب، أو إلصاق الإرهاب بالإسلام. إذ أنه وبدلاً من ذلك، حُمِّلت الشعوب المسلمة وزر انتمائها للإسلام برمته، ومسؤولية الرد عنه كمتهم ومدان في بعض المواقف، فأصبح جميع المسلمين متهمين بالإرهاب الديني، وصار البعض يخشى من إسلامه وما يرسّخ من قيم ومعتقدات خشية قولبته مباشرة بما ليس فيه. فازداد الشرخ بين الدين وحامله من جهة، وتولّد العنف في نفوس البعض من جهة أخرى. لتنجح بذلك نسبيا حرب ضرب المسلمين بوعيهم وقيمهم الخاصة، وإعادة تشكيلها على أسس اتهامات مشوهة.. ولتنفصل الأمة عن موروثها الثقافي طالبة التبعية العمياء، غارقة في جهل وضعف وحروب تتآكل فيها ذاتها.
بواسطة: مجدي التل
الإثنين، 18 مارس 2019 11:51 مالإشكالية هي في الارث يا دكتورة!!
بواسطة: متفائل
الأربعاء، 20 مارس 2019 03:36 مالمشكلة تكمن في غياب الوعي البديل ، لأن البديل الحاضر و الفاعل هو ذلك المرتبط بالفكر أو الفلسفة المنغلقة المعروفة بأجندتها الرائدة من حيث العمل من وراء قناع ، واعلمي يا دكتورة أن مقاربة من مثل مقاربتك لن تنال من الاهتمام من نخبنا الهائمة سوى الشيء اليسير جدا ، خصوصا من أولئك الفيسبوكيين الذين لا يختلفون إلا قليلا عن مجتمعات الكوكايين ، يمكنك الاقتراب قليلا من المشهد و قياس درجة الوعي و مدى اهتمامنا بالكلمة والفكرة ، الخشية لم تعد على شبابنا من الإلحاد ، أو الشرك ، إن الغالبية تئن من وطأة جيل جديد من الوثنية ، وثنية الأفكار الميتة و القاتلة التي تفتك بضحاياها أكثر مما تفتك بهم صواريخ الغرب و قنابله مجتمعة .
لا يوجد المزيد من البيانات.