هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إنّ من مستلزمات استمرار النظام الانقلابي في مصر إشاعة الرعب بين
الناس، رعبا ليس مقتصرا على أجهزته القمعية، بل على تكرار الأزمات والنكبات، حتى
تصبح حالة المواطن المصري ترقبا مستمرا لما هو آت!
فالنظام
المصري "الانقلابي" يتفنن في جعل الرعب أصلا، والأمن الطبيعي استثناء،
وذلك من خلال تنفيذ الإعدامات بحق الأبرياء وتفجير المنشآت، وإشعال الحرائق، بهدف
إحكام سيطرته على الدولة، حالة تُعيد إلى الأذهان ما فعله جمال عبد الناصر في
القاهرة بعيد الانقلاب أو ما بات يُعرف بثورة يوليو.
ولو
أردنا إسقاطا واقعيا على ما يحصل الآن، لوجدنا أن هدف رأس الانقلاب السيطرة على
الحكم، ومن ثّم تنفيذ مخططاته التدميرية، وتمكين إسرائيل من اختراق الأمن القومي
المصري والمجال العربي بشكل عام.
فالجيش
المصري يواجه المسلحين في سيناء منذ ما يقارب سبع سنوات، لكنه لم يحقق أي تقدم
يذكر، رغم الإمكانات الهائلة التي يمتلكها والدعم الأمريكي المباشر، والتنسيق
العسكري والاستخباراتي مع إسرائيل، بل العكس من ذلك تماما فقد تمدد المسلحون،
وباتوا يشكلون خطرا أكثر من ذي قبل، في سابقة وحالة غريبة، بأنّ ما يحصل في سيناء
مدروس بعناية ومصنّع بالاتفاق مع الصهاينة لتدمير سيناء ونزع الغطاء السكاني منها،
وهذا يؤكده رغبة النظام في إبقاء الأوضاع ملتهبة، حتى يتسنى له تدمير البنى
التحتية لسيناء، وتمهيد الأجواء لتنفيذ صفقة القرن، وهو بذلك لا يعبأ بالخسارة
الكبيرة التي يتكبدها الجيش، وسقوط أعداد كبيرة من الجنود والضباط ضحية؛ لخدمة إسرائيل،
وحفاظا على أمنها القومي.
لقد
ازدادت الأوضاع المعيشية للمواطن المصري سوءا، وانخفض سقف الحرية إلى أدنى مستوى
مقارنة بالعهود السابقة، وباتت أوضاع حقوق الإنسان في عهد السيسي مقلقة للجميع،
فقد أعربت الكثير من المنظمات الحقوقية والدولية عن استنكارها للقمع الذي يتعرض له
المواطن المصري, حيث طالت حملات الاعتقال أكثر من 60 ألف سجين، عدا عن أحكام
الإعدام الجائرة التي صدرت ضد ما يقارب الـ1000 منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو
2013، وهي إجراءات تعزز الانقسام الداخلي، وتهدد الاستقرار المصري الذي بات على
حافة الهاوية؛ جراء أساليب النظام القمعية، التي رفعت احتمالات انفجار المواطنين في
وجه السلطة، ويجعل الأمر مجرد مسألة وقت.
وفي
الوقت الذي تتواصل فيه الانتقادات الدولية لنظام السيسي، يحاول الأخيرة التي هرب
منها باستخدام عاملين أساسين:
• استجداء
الغرب بالحرب على الإسلام.
• وتوجيه
النقد لتركيا والتحريض عليها.
وإذا
كان الأمر الأول واضحا من خلال تسويق الحرب على ما يسمى الإرهاب، فإن الأمر الثاني
يأتي من عدة أمور، ولعل أبرزها المطالبة بإعادة فتح ملف الأرمن، ومراقبة المساجد
في أوروبا، وطرد أئمة المساجد الأتراك، ومنعهم من أداء الصلاة في المساجد
الأوروبية، باعتبارهم عناصر إرهابية، وهو ما أعلن عنه بشكل صريح في مؤتمر ميونخ
للأمن.
لا
شك أن اعتراض تركيا على الانقلاب على الحكم الديمقراطي في مصر، وهو أول تجربة
ديمقراطية يعيشها المصريون في تاريخهم القديم والحديث، قد جعل السيسي في مواجهة مع
تركيا، ولهذا فهو لا يخفي عداءه لتركيا والتحريض عليها، ولم تتوقف آلته الإعلامية
عن مهاجمة تركيا بوصفها تحتضن المعارضة المصرية أو لنقل الفارين من الموت، وأي فشل
تتعرض له مصر -وهو يسير بها من فشل إلى آخر- يحاول ربط فشله وقمعه بتركيا، ولعل
الفيديو المضحك المبكي للسيدة "المرتبطة بالمخابرات" التي ظهرت فيه تتهم
تركيا بالوقوف خلف حادثة حريق القطار الأخير*، دليل على أن النظام يتهرب من وعوده بالإصلاح
والتنمية والمحافظة على أرواح المواطنين، ليخلق مناخا معاديا لتركيا، مستغلا هذه
الحوادث والتفجيرات لشحن المصريين ضد تركيا، والتحريض عليها، في محاولة يائسة
للتهرب من الانتقادات الدولية الموجهة له.
يحتار
الكثيرون من أسباب معاداة السيسي لتركيا، التي يعدّها البعض بمثابة
"العقدة" وتوجه يندرج ضمن مشروع صهيوني- غربي لأسقاط التجربة التركية
الناجحة، تُرجم هذا التوجه في إجراءات كثيرة أبرزها دعم جماعة فتح الله كولن في
المحاولة الانقلابية الفاشلة 2016، واستضافة عناصر من التنظيم على الأراضي
المصرية، وفتح القنوات الصحف لهم ليهاجموا الرئيس أردوغان والدولة التركية.
ومن
أسباب "عُقدة" السيسي من تركيا نجاح تجربتها السياسية والاقتصادية، وهو
ما يمثل إحراجا له أمام شعبه، لا سيما أنّه روّج -وما زال- بأن التجارب الإسلامية
الديمقراطية "فاشلة"، ولهذا كان انقلابه على الإخوان! وهو ما فندته
ودحضته التجربة التركية، كما أن رفض تركيا للانقلاب العسكري سبب إزعاجا لنظام
السيسي، والأهم من ذلك نجاح التجربة التركية التي جاءت على أنقاض نموذج عسكري
مشابه لنظام السيسي، وهو ما جعل الكثيرين يقارنون بين المرحلتين والتجربتين (وإن
كنت أعارض فكرة المقارنة بين التجربتين)، ليُستنتج بأنّ الأنظمة العسكرية
"نظام السيسي" لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقدم وتنجح في تحقيق
الاستقرار والتنمية في بلادها، بل إنها مرادف للدمار والخراب والقمع والإرهاب،
ونظام السيسي خير مثال.
من
جانب آخر، فعلى تركيا والدول المعارضة الأخرى لنظام السيسي تغيير سياستها التي
تتبعها مع النظام (ولا أقصد التطبيع بأي شكل من الأشكال)، سياسة بعيدة من الاعتراض
والاستنكار والاستياء والاحتجاج مما يقوم به هذا النظام المجنون، والاقتصار على
التركيز على شخصية السيسي، الذي هو بمثابة دمية ولعبة وأداة يحركها الغرب وحلفاؤه الأوفياء
في المنطقة منذ اليوم الأول. بل يجب اتخاذ خطوات جدية ضد هذا النظام، الذي بات مع
الزمن يشكل خطورة كبيرة في المنطقة.