هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من الواضح ارتفاع حدة التصعيد على جبهات الصراع الفلسطيني ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما يظهر ذلك على حدود قطاع غزة، حيث عودة البالونات الحارقة والناسفة، وما يرافقها من قيام الطائرات و الدبابات الإسرائيلية بتوجيه ضربات لمواقع مدنية و عسكرية في غزة، إضافة إلى التصعيد المتقطع و غير المتوقع -من حيث التوقيت الدقيق و النتائج- في الضفة الغربية، و قد برزت جبهتا السجون الإسرائيلية و باب الرحمة في المسجد الأقصى كمواقع تصعيد إضافية في الآونة الأخيرة ، فما هي أسباب ذلك ؟ و من المستفيد من هذه الجولات تحديدا؟
عموما يمكن القول إن الاحتلال الغاشم و إجراءاته التعسفية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة و الضفة الغربية و المسجد الاقصى و ضد الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية هو سبب كل هذا التصعيد، و الذي يأتي في إطار المقاومة المشروعة بل و الواجبة وفق كل الاعراف و القوانين الانسانية و الدولية . و بشكل خاص فهي سياسة حكومة اليمين تجاه قضايا و ملفات الشعب الفلسطيني المختلفة، و التي تحكمها عقلية التردد و عدم الوضوح و الحرص على بقاء الأمر الواقع دون أي مبادرات حقيقية من قبل رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو و الذي يتحكم بمفاصل القرار في الدولة اليهودية .
كان يمكن لنتنياهو أن يتجنب التصعيد في قطاع غزة لو استطاع تجاوز أجواء المزايدات عن يمينه و عن يساره من قبل بينت و شاكيد و غاباي و لبيد، والالتزام بتفاهمات التهدئة التي تمت برعاية مصرية أممية قطرية مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، والتي لا تكلفه عمليا الكثير من التنازلات، و التي اضطرت المقاومة الفلسطينية لقبولها نتيجة ظروف و معطيات الواقع الفلسطيني و العربي المر، حيث الانقسام والحصار من القريب و البعيد والهرولة للتطبيع من أنظمة عربية وازنة في المنطقة كما ظهر جليا و مؤخرا في مؤتمر اتحاد البرلمان العربي 47 .
بناءا على استمرار أوضاع غزة الصعبة نتيجة لتهرب الاحتلال من التزاماته، فقد قدم قسم الابحاث التابع لاستخبارات الجيش قبل أيام تقديرا يتوقع فيه قيام حماس بالمبادرة لمواجهة عسكرية واسعة وهي مستعدة لدفع ثمنها الباهظ في مقابل "جر العالم " لتدخل دولي لحل مشكلة غزة، و عليه أصدر رئيس الأركان كوخافي أوامره بالاستعداد و الاستنفار، و قام الجيش بمناورة واسعة قبل أيام ، و أكثر كوخافي من زياراته لقيادة الجيش في غزة و الجنوب، ولا يمكن استبعاد الجانب أو الحرب النفسية في هذه التحركات، فهي رسالة لحماس أن الجيش مستعد فإياكم! و مع ذلك فهذا لا يلغي التقدير الراجح بعدم رغبة إسرائيل في المواجهة، فهي مرتاحة مع الحصار .
و هكذا يجد نتنياهو نفسه أمام خيارات صعبة، فكلا الامرين، المواجهة الواسعة أو الاتفاق المعلن مع غزة، سيسهم في خسارته لكثير من أصوات الناخبين في إسرائيل، وهو الاعتبار المركزي لدى اتخاذ نتنياهو أي قرار خاصة في فترة الانتخابات، و في نفس الوقت هو مضطر لدفع ثمن ما لتهدئة غزة، فأين المفر؟ و هنا يبرز اهمية الدور المصري في إقناع حماس من خلال أوراق التأثير المصرية كمعبر رفح، و أربعة جنود من القسام الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا و غير ذلك .
أما التصعيد في الضفة الغربية فلم يكن مدروسا أو مخططا له من قبل أحد، كما في قطاع غزة، و ما زال محكوما بعوامل الكبح والتصعيد المسيطرة منذ سنوات و هي تعتمد من جهة الكبح و الضبط على تعزيز الاحتلال باستمرار لقدراته العسكرية والأمنية و الاستخباراتية، و أيضا استمرار العلاقة الأمنية مع اجهزة أمن السلطة .
أما عوامل التصعيد فتعتمد على استمرار محاولات المقاومة بشكليها الفردي و الجماعي لمواجهة الاحتلال و التصدي لإجراءاته التعسفية، كما حصل في باب الرحمة. إضافة الى دور غلاة المستوطنين و مجموعات تدفيع الثمن التي تعيث في بلدات الضفة الخراب و الفساد لجر الجيش الاسرائيلي ، و ضمن رؤية أيدولوجية متطرفة لحسم المواجهة مع الفلسطينيين، بما فيهم السلطة الفلسطينية، يضاف الى ذلك عامل الفشل في وقف المقاومة مما يحبط الاسرائيلي، ويشجع الفلسطيني كما حصل في عملية الدهس في بلدة كفر نعمة- رام الله .
إضافة الى غزة و الضفة فقد شكلت القدس بؤرة أخرى للتصعيد، ففي باب الرحمة تراجعت القدرة العسكرية الإسرائيلية الهائلة أمام المقاومة الشعبية الراقية للمقدسيين، و لجأت إسرائيل إلى خديعة محكمة الصلح في القدس، والتي هددت الاوقاف بأنها ستصدر أمرا بإخلاء المصلين من مسجد باب الرحمة إن لم تقم الأوقاف بإغلاق المسجد، ومن غير المتوقع أن تستجيب الجماهير المقدسية لهذه المناورة المكشوفة، و سيبقى المسجد الاقصى و ما حوله تهديدا جديا يحتمل أن يكون شرارة لأي تصعيد واسع قادم في أي لحظة، والأمر يعتمد في الغالب على مدى غباء إجراءات الاحتلال .
وقد انضمت جبهة السجون الاسرائيلية للتصعيد بسبب إصرار الوزير أردان على استخدام الأسرى الفلسطينيين و قمعهم في حملته الدعائية الانتخابية، وأصدر قرارا باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعية ضدهم كان آخرها تركيب أجهزة تشويش تضر بصحة الاسرى و تمنعهم من التواصل مع عائلاتهم، مما ادى لقيام الاسرى بسلسلة من الاحتجاجات قد تصل لإضراب مفتوح عن الطعام، و هو أمر دعا الدوائر الأمنية لتحذير المستوى السياسي من تداعياته على أمن المنطقة، كما حصل و أدى إضراب الأسرى لاندلاع حرب 2014 ضد غزة .
يخدم التصعيد الكبير المعارضة في إسرائيل لتحطيم نتنياهو كسيد الأمن، وقد يؤدي لخسارته الانتخابات ، مما قد يخدم المصالح الموهومة للسلطة الفلسطينية في رام الله ، وقد يضر ترامب و الاقليم المطبع ، أما الشعب الفلسطيني فسيبقى يقاوم الاحتلال إن قاده اليمين أو اليسار.