هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت المجازر والمعارك التي تدور رحاها في سوريا خلال السنوات
الثماني الماضية، تهبط على الأنظمة العربية بردا وسلاما، وكانت تشكل بالنسبة لهم
أخبارا طيبة لا مزعجة، ولذلك كانت بعض وسائل الإعلام العربية تنشغل على مدار
الساعة في نقل صور الجثث والقتل والدمار هناك، بينما كانت أنظمة عربية تمول الحرب
بشكل أو بآخر، بما يبقيها قائمة بدون أ يمنح أي طرف فيها القدرة على الحسم.
كانت
الأنظمة العربية طوال السنوات الماضية تستفيد من الحرب في سوريا، وكانت الصور التي
ترد من هناك تُشكل دغدغة لرغبات بعض الحكام في المنطقة، والسبب في ذلك أن تلك
المجازر وأخبارها وصورها هي الرادع الوحيد للشعوب عن النزول إلى الشارع، وهي
المُعطل الوحيد لموجة «المد الثوري» التي بدأت في تونس مطلع عام 2011.. إذ كانت
المقاربة التي تروج لها الأنظمة التي لم تصلها الثورة بعد، هي أن «عليكم أيها
الشعب أن تتجنبوا مصير سوريا».
العالم
العربي يشهد حراكا خطيرا في الوقت الراهن قد يكون مقدمة لموجة ثورية جديدة.
طوال
السنوات الثماني الماضية، كان يتم تخويف الشارع العربي بما يحدث في سوريا، وكان
يتم تسويق مقولة أن «عليكم أن تحمدوا الله تعالى أن ما يجري في سوريا لم يحدث
لكم»، وكانت هذه المقولة تجد آذانا صاغية، وبيئة حاضنة؛ بسبب بشاعة المشاهد التي
يتم نقلها من سوريا إلى المشاهد العربي.
هذه المقاربة التي تبنتها العديد من الأنظمة في العالم العربي، والتي
يمكن أن نسميها «بُعبُع سوريا» أوشكت صلاحيتها على الانتهاء أو ربما انتهت تماما،
إذ إن العرب بدأوا يكتشفون تدريجيا كيف تم استثمار ما يجري في سوريا من قبل أنظمة
الاستبداد العربي، حتى تتمترس في الحكم، ويتمترس الحكام في مناصبهم وعلى كراسيهم،
مستمدين شرعيتهم من خوف شعوبهم أن يلقوا مصير السوريين نفسه.
في
المنطقة العربية اليوم ثمة حراك ثوري على امتداد ثلاث دول على الأقل، وربما تكون
النار تحت الرماد في دول أخرى، وهذا الحراك مؤشر مهم على أن موجة ثورية جديدة ربما
تلوح في الأفق على غرار «الربيع العربي» الذي بدأ في تونس بداية عام 2011. وهذا
الحراك الجديد يؤكد على أن الناس يمكن أن يخافوا ويمكن أن يسكتوا، لكن خوفهم
وسكوتهم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، هذا فضلا عن أن الأجيال تتبدل عبر السنوات،
وربما نكون اليوم أمام جيل جديد أيضا لم ينزل إلى الشارع أصلا في مطلع العقد
الحالي.
الحراك الثوري الراهن في العالم العربي، والاحتجاجات التي يشهدها
العديد من دول المنطقة، تؤكد على أنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح، فلا
الأكاذيب يمكن أن تنطلي على الناس إلى الأبد، ولا سياسات القمع والتخويف يمكن أن
تستمر إلى الأبد، كما أن استثمار مجازر سوريا وترويج أن علينا القبول بالعيش في
المقابر، بدلا من الموت في مجازر، لم تعد تنطلي على الناس، خاصة بعد انكشاف الكثير
من ألغاز وتفاصيل ما كان يجري هناك في سوريا خلال السنوات الماضية باسم الثورة،
والدور المشبوه الذي كانت تقوم به بعض الأنظمة العربية، من أجل ضمان سفك دماء
العدد الأكبر من أبرياء الشعب السوري.
خلاصة
القول هنا هو أنَّ العالم العربي يشهد حراكا خطيرا في الوقت الراهن قد يكون مقدمة
لموجة ثورية جديدة بعد أن انتهت مقولة «بُعبُع سوريا» ولم تعد صالحة للاستهلاك
السياسي والشعبي، أما الطريقة الوحيدة لتهدئة الناس وتجنب ثورتهم، فليست القمع ولا
التخويف، وإنما التحول الديمقراطي السلمي والاختياري الذي يضمن تحقيق عدالة أوسع
وحرية أكبر ومشاركة أفضل، ومنح الناس حقوقهم الأساسية والطبيعية، ومن دون ذلك فما
علينا سوى انتظار «ربيع عربي» جديد.
عن صحيفة القدس العربي