هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توصف بأنها "جنة على الأرض محاطة
بالنيران" لجمال تضاريسها، وتميزها بالطبيعة الخلابة التي قل مثيلها على
الأرض.
تقع في منطقة تضم تكتلا بشريا تجاوز تعداده خمس
سكان العالم.
كانت ساحة لعدة حروب بين الهند وباكستان منذ العام 1947، حيث يسعى البلدان لفرض سيادتهما عليها، ودفعهما هذا النزاع إلى سباق
تسلح وصل إلى امتلاك كل منهما القنبلة النووية، فأصبح هذا الإقليم الجميل والساحر
واحدا من أكثر مناطق العالم المدججة بالسلاح والموت والصراع الديني.
تحتل "كشمير" موقعا جغرافيا استراتيجيا
حيث تشترك في الحدود مع أربع دول هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين، ثلاث منها
دول نووية.
وتبلغ مساحة "كشمير" الكلية نحو 86
ألف ميل مربع، يقسمها خط وقف إطلاق النار ويعرف منذ اتفاقية "شملا" بـ"خط
الهدنة".
وتسيطر الهند على حوالي 48% منه، فيما يخضع
نحو 35% منه إلى سيطرة باكستان، أما الصين فتسيطر على 17%. وبحسب الإحصاءات، فإنه يبلغ عدد سكان الإقليم ما يقارب الـ13 مليون نسمة، ويمثل المسلمون نحو 90% منهم.
وتقسم "كشمير" إلى 3 مناطق رئيسية؛ منطقة تقع في الهند وتسمى "كشمير وجامو" وتعتبر الجزء الأكبر من تلك
المنطقة وبها العدد الأكبر من السكان، ومنطقة تقع في باكستان وتعرف باسم
"ولاية كشمير الحرة"، وثالثة تقع في الصين وتسمى "أكساي تشين".
ويتحدث سكان "كشمير" الكثير من اللغات، مثل
الهندية والأردية والصينية، وتعود أصول الشعب الكشميري إلى الأعراق التركية
والأفغانية والمغولية.
وتمثل "كشمير" أهمية استراتيجية
للهند، فهي تعتبرها عمقا أمنيا استراتيجيا لها أمام الصين وباكستان، وتنظر إليها
على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام نظرية الحكم الباكستاني التي تعتبرها
قائمة على أسس دينية ما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند.
وتخشى الهند إذا سمحت لـ"كشمير"
بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية، أن تفتح بابا لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير
من الولايات الهندية.
أما بالنسبة لباكستان، فتعتبر
"كشمير" منطقة حيوية لأمنها، وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد
تجري بمحاذاة "كشمير"، وينبع منها ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في
باكستان، ما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني.
ولم يكن السلام يرفرف دائما على "كشمير" فقد شهدت فترات تاريخية متعددة كانت مليئة بالصراعات السياسية والفتن
الطائفية خاصة بين البوذيين والبراهمة، ثم حل هدوء نسبي من القرن التاسع إلى
الثاني عشر الميلادي .
وبدءا من القرن الرابع عشر الميلادي حدثت فيها
تغيرات جوهرية، فقد أسلم حاكمها البوذي رينشان وأسلم معه عدد غفير من الكشميريين،
وعلى مدى خمسة قرون انتشر الإسلام حتى أصبح أغلب سكان الولاية مسلمين.
ونعمت البلاد بنوع من الاستقرار، وأثر مفهوم
المساواة في الإسلام في خلق نوع من التعايش بين جميع الأقليات الدينية والعرقية.
وازدهرت خلال هذه القرون العديد من الصناعات والحرف اليدوية كصناعة الغزل والنسيج.
كانت بريطانيا حاضرة في مشهد الصراع الهندي
الباكستاني على "كشمير" منذ اليوم الأول، فحين أصدر البرلمان البريطاني
في عام 1947 قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني للبلاد، جرى تقسيم شبه
القارة الهندية إلى دولتين: الهند وباكستان.
ونص قرار التقسيم على أن تنضم الولايات ذات
الغالبية المسلمة إلى باكستان، وأن تنضم الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى
الهند، على أن يكون انضمام الولايات وفقا لرغبة السكان، مع الأخذ بالاعتبار
التقسيمات الجغرافية في كل إمارة.
مر قرار تقسيم البلاد دون صعوبات تذكر في كل
الولايات إلا ثلاثا منها، هي "حيدر أباد" و"جوناغاد"
و"كشمير". ففي إمارة "جوناغاد" قرر حاكمها المسلم أن ينضم إلى
باكستان رغم وجود أغلبية هندوسية في الإمارة، لكن أمام معارضة الأغلبية دخلت
القوات الهندية وأجرت استفتاء انتهى بانضمام الإمارة للهند.
وحدث الشيء نفسه في ولاية "حيدر أباد" التي تدخلت فيها القوات الهندية وأخضعتها لحكمها.
أما "كشمير" فقد كان وضعها مختلفا عن
الإمارتين السابقتين، فقد قرر حاكمها الهندوسي الانضمام إلى الهند، متجاهلا رغبة
الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في
التقسيم.
لكن خشيته من ردة فعل الشارع المسلم دفعته
لتقديم معاهدة عرضها على البلدين لإبقاء الأوضاع كما هي عليه، فقبلت باكستان
بالمعاهدة، في حين رفضتها الهند.
وتطورت الأحداث بعد ذلك سريعا، فاندلع أول قتال
مسلح بين سكان "كشمير" والقوات الهندية في عام 1947 أسفر عن احتلال
الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع، وأصدر مجلس الأمن قرارا
في عام 1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
في عام 1965 عاد التوتر بين الجانبين ودار قتال
مسلح بين الجيشين النظاميين على طول الحدود بينهما، ولم يتحقق فيه نصر حاسم لأي
منهما، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين.
في العام التالي حاول الاتحاد السوفييتي آنذاك
التدخل في الصراع الدائر، ورتب مؤتمر مصالحة عقد في عام 1966 بطشقند، لكن المؤتمر
انتهى بالفشل.
وعاد القتال بين الجارتين ليتجدد مع مطلع
السبعينيات من القرن الماضي إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية
(بنغلادش) في محاولتها الانفصالية.
ودارت حرب جديدة في عام 1971 مال فيها الميزان
العسكري لصالح الهند وتمكنت من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض، ما أسفر عن
انفصال "باكستان الشرقية" عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلادش.
بعد هذه الحرب، بدا أن الأمور تتجه إلى حل عبر
المفاوضات، وهو ما حدث فعلا في عام 1972 إذ تم التوقيع على معاهدة "شِملا
" التي نصت على اعتبار "خط وقف إطلاق النار" الموقع بين الجانبين
"خط هدنة" بين الدولتين.
بقيت الأمور تراوح مكانها بين تصعيد وتوتر إلى
تهدئة حتى عام 1987 حيث اندلعت انتفاضة مسلحة في "كشمير"، وسرعان ما
اتجهت هذه الانتفاضة إلى "المقاومة المسلحة".
وأدى سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تغير خريطة
تحالفات الهند والباكستان، كما أنه أدى إلى ظهور حركات "المقاومة" الداخلية في
الإقليم، وبروز منظمات مسلحة تطالب باستقلال الإقليم عن الهند وباكستان.
وزادت حدة الصراع الهندي الباكستاني مع بروز
السباق النووي بينهما، فقد ربطت الدولتان هذا السباق بما يحدث في
"كشمير"، وقامتا في عام 1998، بإجراء تجارب تفجير نووية، و أصبح النزاع
بينهما محكوما بسقف الردع النووي.
ومنذ ذلك الحين، تتصاعد بين الفينة والأخرى
أعمال العنف داخل "كشمير" وعمليات مسلحة ضد الهند، لتزيد من احتمالات
وقوع الصدام مجددا بين الدولتين النوويتين، الأمر الذي يهدد استمراره بتفجر حرب جديدة
بين الهند وباكستان، هي الأولى بعد دخولهما النادي النووي في تسعينيات القرن
الماضي.
لكن ما حدث في عام 1999 أعاد الأمور إلى نقطة
الصفر، حيث تمكن مسلحون من التسلل إلى الجزء الهندي من "كشمير" واحتلوا
قمم "كارغيل"، واعتبرت الهند الحادثة "طعنة في الظهر"، وحشدت
قواتها في المنطقة وتمكنت من استعادتها.
بعد ذلك، عقد زعماء البلدين قمة في مدينة
"آغرا" الهندية، لكن القمة فشلت نتيجة لاختلاف مواقف البلدين من التسوية.
وساهم الهجوم على البرلمان الهندي في عام 2001
في ارتفاع حدة التوتر بين البلدين، وصعدت الهند عسكريا وهددت بمواجهة شاملة مع
باكستان بحجة القضاء على القواعد "الإرهابية" الباكستانية كما تقول
نيودلهي.
وبقيت مشكلة "كشمير" تتأرجح بين
المناوشات العسكرية والهدوء الحذر واللقاءات الدبلوماسية الهشة، حتى وقع "
هجوم " قبل أيام أودى بحياة 44 شخصا من قوات الأمن الهندي في إقليم
"كشمير"، ما أشعل الفتيل من جديد، وحرك الجمر تحت الرماد، لتقف البلدان
أمام خيارات كارثية عليهما وعلى المنطقة برمتها.
وردا على التصعيد الأخير دعت جميع الدول في
العالم كلا من الهند وباكستان إلى "ضبط النفس"، فيما أكد رئيس وزراء
باكستان عمران خان أن بلاده لا تريد حربا، مضيفا أن "علينا أن نجلس سويا
ونتحاور، من أجل حل هذا الخلاف مع الهند". مؤكدا أنه "ينبغي اللجوء إلى
الحكمة والتعقل لحل النزاع".
ويبدو أن المنطقة الساحرة بخضرتها وأنهارها
وجبالها بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تحكيم العقل.