هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا عن الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في إيران، تقول فيه إنه بعد أربعة عقود على ثورة إيران، فإنها لا تزال تعيش في الماضي.
ويعود التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بالقارئ إلى الخلف، واصفا رحلة مرشد الثورة آية الله الخميني بالقول: "بدا للحظات مليئة بالتوتر أن الرحلة التي كان على متنها آية الله الخميني العائدة إلى إيران لن تتم، فقد مضى أسبوعان على مغادرة الشاه محمد رضا بهلوي البلاد، وسط احتجاجات ضد نظامه المستبد، وكان مساعدو آية الله حريصين على عودته من المنفى في باريس ليملأ الفراغ في السلطة، إلا أن الحكومة التي خلفها الشاه وراءه حذرتهم من عمل هذا، ومع اقتراب الطائرة للمجال الجوي الإيراني هدد سلاح الجو بإسقاطها، وابتهج بعض من كان على متن الطائرة بفرصة نيل الشهادة، أما الصحافيون الغربيون فصمتوا".
وتذكر المجلة أن الطائرة هبطت في النهاية في طهران، وبعد نقاش قصير بين أتباع الخميني حول من سيساعده، فإنه خرج ببطء، ونزل على درجات السلم إلى المدرج، حيث ساعده مضيف في سلاح الجو، واستقبله أكبر حشد في التاريخ، وكان التاريخ هو الأول من شباط/ فبراير 1979، وبعد عشرة أيام من العنف استقالت الحكومة التي تركها الشاه، وتركت الشاه للثوريين.
ويقيّم التقرير حالة إيران بعد أربعين عاما، قائلا إنها "ديمقراطية بالاسم، لا يزال فيها ملالي غير منتخبين، ويتحكمون بالسلطة الفعلية، لكنهم تحدوا التوقعات، من خلال البقاء في السلطة ولمدة طويلة، فقد زادت نسبة الطلاب الذين دخلوا الجامعات، وتحسنت الخدمات للفقراء، وأصبح الاقتصاد أكثر تنوعا، إلا أن إيران في المجالات الأخرى أصبحت في حالة سيئة".
وتشير المجلة إلى أن "الخميني ومن معه من المتشددين الملقبين بـ(الملتحين) قاموا في الأشهر التي تلت الثورة باتخاذ قرارات قادت البلاد للسير في طريق رهيب، فاليوم لم تصبح إيران تقية كما كان الملالي يأملون، وهي أقل ازدهارا مما كان يجب أن تكون، وأقل انخراطا في العالم كما هو حال بقية الدول الأخرى".
ويلفت التقرير إلى أن الإمام الخميني اتخذ قراره منذ فترة طويلة قبل أن يصل إلى السلطة، وكتب: "يجب أن توجه الحكومة وتنظم بناء على القانون الإلهي، الذي لا يكون ممكنا دون إشراف الفقهاء".
وتفيد المجلة بأن الخميني أخفى مع تفكك نظام الشاه فكرة ولاية الفقيه، بشكل جعل اليساريين والليبراليين، الذين دعموا الثورة، يسيئون تقديره، مشيرة إلى أن البعض قد تخيل عودة الخميني إلى قم وترك الحكم لغيره.
وينوه التقرير إلى أنه مع أن الخميني ذهب إلى قم، إلا أنه لم يتخل عن السلطة، وقام منذ البداية بإفشال رئيس وزرائه الذي اختاره بنفسه، مهدي بازرجان، فعندما رفض وزير النفط التخلص من الموظفين غير الإسلاميين وصفه الخميني بالخيانة، مشيرا إلى أن آية الله فرض الحجاب على المرأة، ومنع بث الموسيقى التي قارنها بالأفيون، وتم تجاهل الجماعات العلمانية، واضطهاد النقاد، وتم إعدام الآلاف في بداية الثورة، بمن فيهم العاهرات والمثليون والزناة ومسؤولو نظام الشاه، وقال الخميني إن الدولة تحتاج للتطهير، وهو ما جعل إيران الدولة الأعلى في نسب الإعدام على مستوى العالم.
وتبين المجلة أن بعض الملالي خافوا من أثر السياسة على المؤسسة الدينية، ومن بينهم المرجعية العظمى آية الله محمد كاظم شريعة مداري، وهو الذي منح الخميني لقب آية الله عام 1963؛ لمنع الشاه من تنفيذ حكم الإعدام عليه، لافتة إلى أن شريعة مداري شجب التطرف الجديد في النظام، ورفض ولاية الفقيه، ووضع تحت الإقامة الجبرية.
ويستدرك التقرير بأن مخاوفه أصبحت حقيقة، حيث حرف الخميني الإسلام لخدمة أفعاله، وقال بجرأة إن المسؤولين يمكنهم تجاوز النص القرآني إن كان هذا في صالح الإسلام، مشيرا إلى أنه حتى عندما اختار الخميني خليفة له فإنه تخلى عن مبادئ ولاية الفقيه، التي تنص على أن يكون الخليفة هو الأعلم بين العلماء، وعندما طالب آية الله حسين علي منتظري بحريات أوسع، فإن الخميني تخلى عنه، واختار الرئيس السابق علي خامنئي ودون مركز ديني بارز.
وتقول المجلة إن "رجال الدين في النظام ارتبطوا في أذهان الإيرانيين بالقمع المفرط والانفصال عن الواقع، وزاد علي خامنئي من الأمور سوءا، عندما فاز مرشحه المفضل، محمود أحمدي نجاد بانتخابات مزورة عام 2009، أدت إلى احتجاجات واسعة، ورد النظام بقمع القادة المعتدلين للحركة، التي عرفت بالحركة الخضراء، واتهمهم ليس بالتخريب لكن بالحرب".
وبحسب التقرير، فإن "الرأي العام فقد حماسه للثورة منذ وقت طويل، وهناك ما يزيد على 150 ألف متعلم إيراني يغادرون بلدهم في كل عام، وهو أعلى رقم في العالم من ناحية تجفيف العقول، ولم يعد الشباب يرتادون المساجد بالوتيرة التي كان يقوم بها آباؤهم ذاتها".
وتنقل المجلة عن الدبلوماسي الإيراني السابق داريوش باياندور، قوله: "يضحك الناس على الكلام الفارغ كله الذي يقوله لهم الملالي"، مستدركة بأن النظام يتصرف وكأن الثورة حدثت يوم أمس، فقد منع القضاء الإيراني تمشية الكلاب في الأماكن العامة، ووبخ خامنئي هذا الشهر المرأة التي تخلع حجابها.
ويورد التقرير نقلا عن المحلل كريم ساجدبور من مؤسسة "كارنيغي"، قوله معلقا على هذا الموقف: "هذا يمسك بجوهر الحكم الإسلامي في إيران: علماء دوغمائيون في السبعين من عمرهم، يفرضون آراءهم البائدة على مجتمع شاب ومتنوع"، وهذا نظام لن يفرض أسلوبه إلا بالأكراه، الذي يستخدم رجال الدين من الحرس الثوري لتنفيذه.
وتشير المجلة إلى أن الخميني لم يثق بجيش الشاه، ولهذا قام بتجميع القوى المسلحة التي دعمت الثورة في قوة واحدة، أرسلها عام 1980 لمواجهة جيش صدام حسين الغازي، واعتبر الحرب قضية مقدسة، ومات مئات الآلاف من الإيرانيين في حرب الثماني سنوات.
ويلفت التقرير إلى أن الحرب غيرت الحرس الثوري، الذي يقود الآن 100 ألف عنصر، ويشرف على الباسيج، وهي الشرطة التي لديها مليون متطوع، وتقوم بالرقابة على تصرفات الناس، ويقوم فيلقها السري، القدس، بالعمل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وتذكر المجلة أن الحرس سيطر على معظم مفاصل الدولة، فالأعضاء السابقون يحتلون مناصب في الحكومة والبرلمان، ويتأكد الحرس من دعم التلفزيون والراديو للدولة، وتدريس المدارس للتلاميذ أهمية الولاء للدولة التي تدعم وتحمي مصالح الحرس الثوري التجارية الواسعة، مشيرة إلى أنه لم يكن لدى الدولة ما تمنحه للجنود العائدين من ساحات القتال مع العراق، ولهذا وضعت الحرس الثوري في مهمة بناء البلد، وحصل على عقود البناء دون عطاءات أو غير ذلك.
ويفيد التقرير بأن الحرس يسيطر اليوم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على إمبراطورية مالية بالمليارات، ويقوم ببناء خطوط القطار في طهران، واستخراج الغاز، ولديه عيادات عيون تعالج بالليزر، لافتا إلى أنه في الوقت الذي يعاني فيه سكان البلاد من أثر العقوبات الأمريكية، إلا أن الحرس لديه القدرة على تهريب البضائع وتجنب الضريبة.
وتكشف المجلة عن أن خامنئي يدير مجموعة "سيتاد"، التي لها مصالح في قطاعات الدولة كلها، مشيرة إلى أنه لمواجهة العقوبات الأمريكية فإن إيران طورت اقتصاد المقاومة، وهو متنوع لكنه غير فاعل، وتعد إيران في أدنى سلم الدول الجيدة للاستثمار والشفاقية الدولية وفي مؤشر الفساد.
ويجد التقرير أن هذا كله يشير إلى أن البلد اتسم أداؤه بالفقر، ففي عام 1977 كان معدل الناتج القومي العام أعلى تقريبا من ذلك في تركيا، منوها إلى أن الإيرانيين اليوم أقل ثراء بمعدل الأتراك، لكن النخبة لا تزال غنية، ويقول شاؤول بخش من جامعة جورج ميسون: "لم يكن أي من الملالي ليتجرأ على مراكمة ثروة كهذه في ظل الخميني".
وتنوه المجلة إلى أن البلاد شهدت في العام الماضي احتجاجات على الظروف الاقتصادية في ظل حكومة حسن روحاني، لكن المتظاهرين سرعان ما وجهوا هتافاتهم ضد المؤسسة الدينية ومغامرات الحرس الثوري في الخارج، وكان شعار الموت لأمريكا مركز الثورة الإيرانية، التي شعر الإيرانيون بأن الثقافة الغربية سممت البلاد، ولهذا تحولوا ضد الشاه.
ويذكر التقرير أنه بعد تسعة أشهر من الثورة فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تسممت، وعندما سمح جيمي كارتر للشاه القدوم إلى أمريكا للعلاج من مرض السرطان هاج الإيرانيون، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 احتل الطلاب الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا طاقمها لمدة 444 يوما، ومات ثمانية جنود أمريكيين في محاولة فاشلة لكسر الحصار عن الدبلوماسيين الأمريكيين.
وتقول المجلة إن العداء لم يتبدد، حيث دعمت أمريكا العراق في حربه ضد إيران، أما الحرس الثوري فدعم عمليات إرهابية ضد الأمريكيين، ووضع جورج دبليو بوش إيران عام 2002 ضمن "محور الشر"، إلا أن غزو العراق بعد عام، والفوضى بعد الربيع العربي عام 2011، سمحا لإيران بتوسع نفوذها، وأدت نشاطات إيران النووية إلى محاولات للحد منها، وبدا وكأن عهدا جديدا سيبدأ بين البلدين في ظل باراك أوباما، وقاد إلى توقيع المعاهدة النووية في عام 2015، وهي التي خرج منها دونالد ترامب، بعد أن أحاط نفسه بمتطرفين، مثل مدير الأمن القومي جون بولتون، الذي دعا لضرب النظام وتغييره بقوه.
ويستدرك التقرير بأنه رغم التهديدات كلها فإن كل ما منحه ترامب لحسن روحاني هو الحوار الذي رفضه، مشيرا إلى أنه في الوقت ذاته فإن التظاهرات تستمر ويتراجع الاقتصاد، ويقول المتظاهرون: "أمريكا ليست العدو، العدو موجود هنا".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إنه "في الوقت الذي وحدت فيه الكراهية الإيرانيين ضد الشاه، إلا أنهم ينظرون حولهم ويِشاهدون ثورات فاشلة، ومعارضة متفرقة دون قيادة، لم تقدم الثورة عام 1979 للإيرانيين سوى البؤس، لكن لا ثورة قادمة على ما يبدو".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)