هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من يملك الحقيقة -أو بالأحرى من يقول الحقيقة- عن تنظيم «الدولة
الإسلامية»؛ ما حلّ به؟ وما مستقبله؟ وهل هو اليوم إلى زوال أم إلى كُمون مؤقت قبل
معاودة الظهور؟ كل من تابع ما قيل وكُتب في واشنطن خلال الأيام الأخيرة سيخرج
بحصيلة مشوّشة وغامضة. إنهم يقولون الشيء وعكسه. على سبيل المثال، هذه التصريحات
في يوم واحد (29-1): القائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شاناهان: التنظيم سيفقد آخر
أراضٍ يسيطر عليها في سوريا خلال أسبوعين. مدير وكالة الأمن القومي دان كوتس:
التنظيم لا يزال لديه آلاف المقاتلين ويشكّل تهديداً قوياً في الشرق الأوسط، كما
يواصل قادته الحض على هجمات في الغرب. زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ
ميتش ماكونيل اقترح تعديلاً على مشروع قانون موسّع بشأن الأمن في الشرق الأوسط
يدعو إلى «التزام مستمر» إلى حين هزيمة تنظيمي «القاعدة» و«الدولة».
قبل
ذلك، في 19-12-2018، أعلن الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سوريا «بعدما تمّت
هزيمة «داعش». وبعد أقل من شهر، كان المسؤولون العسكريون يبحثون في ترتيبات
الانسحاب عندما أقدم انتحاري من التنظيم على تفجير نفسه قرب مطعم في منبج فقتل
عشرين شخصاً بينهم خمسة أميركيين. واستنتجت «نيويورك تايمز» في تحقيق طويل أن
التنظيم غيّر استراتيجيته، فعملية منبج وعمليات أخرى في العراق وكذلك في ألمانيا
وفرنسا أظهرت أنه قرر اعتماد الهجمات الفردية، لكنه ينتظر الانكفاء النهائي إلى
منطقة ما لكي يحدد أهدافه المقبلة. ثم ها هي تسريبات جديدة عن تقرير لـ «البنتاجون»
ينبّه إلى أن تراجع الضغوط على التنظيم سيؤدي إلى استعادته مناطق كانت تحت سيطرته
في سوريا خلال 6 أشهر إلى 12 شهراً؛ أي أن «البنتاجون» لا يؤيد عملياً رغبة ترامب
في الانسحاب حتى بعد استقالة جيمس ماتيس. وكان رد ترامب بأن «خبراء الأجهزة سلبيون
وسُذّج».
على
خلفية هذه المعطيات والمواقف المتضاربة بين المؤسسات الأميركية، تستضيف واشنطن بعض
وزراء خارجية تسع وسبعين دولة مشاركة في «التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش»؛
لمراجعة الخطط والاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها في المرحلة المقبلة. هل ما زال
هناك سبب لاستمرار هذا التحالف؟ رسالة الخارجية الأميركية تقول: «مصمّمون على عدم
السماح لداعش بالظهور في سوريا والعراق بعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا»،
و«مواصلة العمل مع التحالف للقضاء على فلول التنظيم ومنعه من تحقيق أهدافه».
الأرجح أن مهمات أكثر خطورة تنتظر دول التحالف. فبعدما شاركت في محاربة التنظيم،
لا بد لها من اتباع سياسات شاملة لتضمن عدم ظهوره مجدداً، لكن مثل هذه السياسات
إذا وُجدت لا تبدو جاهزة، ثم إنها تتطلب تنسيقاً وتبادلاً جيداً للمعلومات، لكن
معظم الدول تعتبر أن تعاون الجانب الأميركي في هذا المجال لم يكن يوماً بالمستوى
المنشود.
مع
افتراض تطوير التعاون والتنسيق بين الدول والأجهزة، فإن عدم انعكاس الاستقرار
الأمني على الوضع الاجتماعي، والتأخر في إعادة الإعمار وتحسين الواقع المعيشي في
المناطق التي طُرد منها تنظيم «الدولة»، كفيلان باستعادة البيئة التي ظهر فيها «داعش»،
خصوصاً أن خلاياه النائمة تنشط في تجنيد متطوعين جدد يعانون البطالة والفقر. وهناك
شواهد على ذلك في الموصل ومحيطها، حيث تواصل عناصر «الحشد الشعبي» اضطهاد السكان،
ولم تتمكن حكومة بغداد من إشعارهم بالأمن والأمان. ولا يقل الوضع سوءاً في الرقة
ودير الزور.
عن صحيفة العرب القطرية