هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بمقدور المفوضية الأوروبية الحالية تحقيق نجاح كبير إذا نفّذت خطة تستهدف الاستحواذ على قدر أكبر من سلطة تحديد الضرائب من الدول الأعضاء. نستطيع خلال الأسبوع المقبل اكتشاف ما إذا كان سيصبح لدى الشركات متعددة الجنسيات، التي تتبع استراتيجيات متعددة للتهرب الضريبي في أوروبا، ما تخشاه أكثر من مجرد المضايقات الدورية الحالية متخفية في شكل تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمساعدات المالية التفضيلية للشركات.
كان بيير موسكوفيتشي، المفوض
الأوروبي المسؤول عن المسائل المتعلقة بفرض الضرائب، قد تقدم في 15 يناير (كانون الثاني)،
بمقترح علني يتطلب اتخاذ قرارات محددة خاصة بالضرائب مثل الضرائب الرقمية، وضرائب
المبيعات، والتوافق الضريبي بين الدول، من جانب أغلبية مؤهلة من قادة الدول في
المجلس الأوروبي. تمثل الحاجة الضرورية الحالية إلى الإجماع، عقبة كبرى في مسار
تحقيق التوافق الضريبي في الاتحاد الأوروبي، وكذا في طريق أي تحركات لمكافحة
التهرب الضريبي، إذ لطالما عارض بعض الدول الأعضاء الصغرى مثل هولندا، وإيرلندا،
ومالطا، وقبرص، ولوكسمبورغ، محاولات الدول الكبرى لتقييد تنافسيتها الضريبية. تلك
الدول متخصصة في إتاحة إجراءات التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات، التي
كثيرا ما تتضمن مدفوعات ضخمة على العائدات مقابل استغلال الملكية الفكرية الخاصة
بمؤسسات في الخارج.
وقد نشرت المفوضية الأوروبية
قبيل أعياد الميلاد خريطة طريق للاستغناء عن الإجماع، الذي وصفته بالـ«عقبة في
طريق عملية اتخاذ قرار فاعلة» التي تعني «عدم وجود سوق فاعلة واحدة في فرض
الضرائب». وأشارت الوثيقة إلى بند غامض في معاهدة الاتحاد الأوروبي يتيح للمجلس
الأوروبي اتخاذ قرار بالتخلي عن شرط الإجماع في أي مجال باستثناء الدفاع.
في حال استخدام المفوضية هذا
الإجراء، يمكن هزيمة الدول الصغرى بأغلبية الأصوات بسهولة بحيث تكون نسبة 55% من
الدول الأعضاء، التي تمثل 65% من سكان الاتحاد الأوروبي، كافية لتكون أغلبية
مؤهلة. وقد يؤدي وضع حد أقل لإقرار الإجراءات الخاصة بالضرائب إلى تغيرات مؤلمة
بالنسبة إلى الدول التي تقدم فرصا عدائية خاصة بالخطط الضريبية. كذلك ربما يسفر
ذلك عن واقع جديد تماما بالنسبة إلى الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في أوروبا.
في هذه اللحظة يعجز الاتحاد
الأوروبي عن سدّ الثغرات الضريبية، ولا تستطيع المفوضية الأوروبية سوى ملاحقة
خافضي الضرائب بشكل كبير، من خلال تطبيق القواعد المتعلقة بالمساعدات المالية
التفضيلية الضريبية. على هذا الأساس، اتخذت المفوضية قرارا عام 2016 يقضي بضرورة
دفع شركة «آبل» لإيرلندا 13 مليار يورو، أو ما يعادل 14.9 مليار دولار، كضرائب
متأخرة مستحقة الدفع. وتستند قرارات أخرى اتخذتها المفوضية ضد الشركات، التي تتبع
استراتيجيات التهرب الضريبي، مثل «ستار بكس» في هولندا، و«فيات» في لوكسمبورغ، إلى
زعم وافتراض أن تلك الدول قد منحت ميزة تنافسية لتلك الشركات بشكل غير قانوني.
وقد أعلنت المفوضية في 10
يناير أنها فتحت تحقيقا متعلقا بالترتيبات الضريبية الخاصة بشركة «نايكي» في
هولندا، لكنها لا تستطيع التشكيك في ماهية تصرفات الشركة التي تتضمن المدفوعات
الكبيرة على العائدات التي يتم خصمها واقتطاعها من الضرائب. ولا تستطيع المفوضية
سوى الدفع بأن القواعد والقوانين الضريبية لهيئة الضرائب الهولندية قد منحت شركة
«نايكي» ميزة غير عادلة.
بعبارة أخرى، يمكن القول إنه
رغم معرفة المفوضية بكل ما يتعلق بممارسات التهرب الضريبي، فإنها لا يسعها سوى
معاقبة الشركات التي تخلص إلى أنها تتلقى معاملة خاصة مميزة. في حال تعديل الاتحاد
الأوروبي عملية اتخاذ القرار في ما يتعلق بتغيير المسائل الخاصة بالضرائب، ستكون
هناك فرصة جيدة سانحة لتجريم أو تقييد تلك الممارسات نفسها، وهو ما قد يزيد أكثر
معدل الضرائب الفعّال لأكثر الشركات متعددة الجنسيات، ويعيد توزيع عائدات الضرائب
بحيث تفيد وتشمل الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا التي لديها حصة أكبر من المبيعات.
مع ذلك، سيكون التخلي عن شرط
الإجماع خطوة مخيفة على المستوى السياسي، فخلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي عمل الاتحاد الأوروبي جاهدا من أجل إظهار أنه سوف يبذل كل ما في وسعه
لمساعدة إيرلندا، الدولة التي ستكون أكثر تأثرا بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد
الأوروبي، لكن ربما تضرّ هزيمة إيرلندا في التصويت على مسألة الضرائب وضعها المالي
بشكل كبير. بوجه عام قد تكون رؤية ألمانيا وفرنسا، وهما تتسيدان الدول الصغرى،
مقوّضة للاتحاد الأوروبي حتى في ظل النضال من أجل تحقيق المزيد من التواؤم
والتماسك.
في حال فاقت تلك الاعتبارات
السياسية في أهميتها رغبة المفوضية في تحقيق التوافق الضريبي، واستهداف مكافحة
ممارسات التهرب الضريبي، سوف تقترح منح الدول الأعضاء حق النقض على القرار الخاص
بالاستغناء عن الإجماع مما يؤدي إلى وأد تلك المبادرة، وقد أشار تقرير صادر في 11
يناير بالفعل إلى أن هذه هي الخطة في كل الأحوال. إذا كان الأمر كذلك، فالمفوضية
المنتهية مدتها برئاسة جان كلود يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورغ سابقا، تقوم بتلك
التحركات في محاولة لإظهار تأييدها لإصلاح الفوضى الضريبية في الاتحاد الأوروبي،
لكنها لم تتمكن من الحصول على الدعم الكافي من قادة الدول.
في تلك الحالة، سيكون للمفوضية
المقبلة التي سيتم تشكيلها خلال العام الحالي، الأمر في ما يتعلق بالتعامل مع
الفوضى الناجمة عن تطبيق 27 نظاما ضريبيا في أنحاء دول الاتحاد الأوروبي، أو
مواصلة تأجيل وتفادي مواجهة المشكلة.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية