هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحتار المرء وهو يراقب سلوك الولايات المتحدة ومساعيها لتشديد الخناق على إيران، في وقت كان فيه الرئيس ترامب نفسه سببا رئيسا في اندلاع أزمة خليجية قضت العلاقات الخليجية البينية.
فإذا كانت الولايات المتحدة جادة في إقامة تحالف عريض ضد إيران، كان ينبغي إجراء حوار معمق بين الدول الأعضاء لهذا الحلف للاتفاق على الخطر الذي سيتصدى له هذا الحلف.
ولا نذيع سرا عندما نقول، بأن دولة قطر بدأت تشعر بأن الخطر الذي يتهددها لا يأتي من إيران بقدر ما يأتي من دول عربية تقول بأنها ستتصدى لإيران.
فالحصار المفروض على قطر لا يجعل القطريين يشعرون بأن السعودية والإمارات هما دولتان يكنان لها الود، بل تستهدفان سيادتها واستقلالية قرارها في السياسة الخارجية.
في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الدوحة بين وزير الخارجية القطري ونظيره الأمريكي، شدد مايك بومبيو على أن الوحدة بين الدول الخليجية هي في غاية الأهمية لأغراض التصدي لإيران، والمفارقة أن الولايات المتحدة لم تتسبب فقط في الأزمة الخليجية، بل لا تبذل الجهد المطلوب لإنهاء هذا الخلاف إذ ما زالت الدول المحاصرة لقطر ترفض المصالحة، إلا إذا استجابت دولة قطر لعدد من الشروط التعجيزية التي لا يمكن أن تقبل بها قطر وتحافظ على سيادتها في الوقت ذاته.
ناهيك عن عدم قدرة واشنطن، أو ربما عدم رغبتها، في التأثير على سياسات المملكة العربية السعودية التي ساهمت في تمكين إيران بدلا من إضعافها، فالحرب على اليمن أفضت إلى إضعاف التحالف الإماراتي السعودي.
وربما الأهم هو السلوك السعودي المتنمر والمنفلت من عقاله، وهنا نشير ليس فقط إلى حصار قطر بل وإلى التقارب من إسرائيل واستهداف من يختلف مع وليّ العهد السعودي، كما جرى في حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وفي السياق ذاته، لا يمكن إقامة تحالف فعّال ضد إيران إلا إذا كانت الدول المنضوية تحت هذا التحالف لا تخشى بعضها البعض، لكن إذا كان المطلوب فقط تحالفا شكليا، فهذا أمر ممكن لكنه سيكون من دون أسنان.
والمثير للدهشة هو تلك الرغبة الجامحة لدى دول مثل الإمارات لإقامة تحالف ضد إيران، في حين قامت باستدارة غير مدروسة في الملف السوري، واستخدمت الإمارات تبريرات التصدي لإيران، في حين أن نظام بشار الأسد وإيران اعتبرا هذه الخطوة الإماراتية إقرارا بالهزيمة أمام إيران! ووصل التشفي حد نشر صحيفة الأخبار اللبنانية المنحازة للنظام السوري وإيران خبرا بعنوان «عودة المهزومين» في إشارة واضحة إلى الإمارات على اعتبار خطوتها إقرارا بالهزيمة.
وكل ذلك يهون أمام حقيقة أن المحرك لهذا التحالف هو إسرائيل، فالأخيرة هي ضمن التحالف وستكون في موقع القيادة من الخلف، وتحالف عريض يضم إسرائيل سيبعث برسالة واضحة للجانب الإسرائيلي مفادها أن بإمكان تل أبيب الاستمرار بالسياسة نفسها التي تستهدف ليلا ونهارا المصالح الفلسطينية في التحرر والاستقلال. بمعنى آخر، ستكون هذه الخطوة بمنزلة جائزة لتل أبيب في وقت ما زال الاحتلال الإسرائيلي جاثما على صدور الفلسطينيين، حتى صفقة القرن التي توافق عليها دول عربية كبيرة، ما هي إلا صفعة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة.
بكلمة، ما من شك أن إيران تشكل تحديا واضحا لعدد من الدول العربية، لكن التصدي لهذا التحدي يتطلب تصفية المشاكل والخلافات بين الدول العربية التي من المفروض أن تكون في تحالف واحد.
وما دامت واشنطن غير راغبة في العمل على إيجاد أرضية مشتركة بين هذه الدول، فإن التحالف سيكون قفزة في المجهول.
عن صحيفة الشرق القطرية